للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إثبات صفة الكلام لله تعالى]

والكلام في موضوع القرآن فرع عن الكلام في صفة الكلام لله تعالى، فإن القرآن جزء من كلام الله سبحانه وتعالى، وكلام الله سبحانه وتعالى صفة من صفاته، وهذه الصفة دلت عليها النصوص الشرعية الكثيرة، منها قول الله سبحانه وتعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:٦]، فأضاف الكلام إلى الله سبحانه وتعالى، وهناك قاعدة نفيسة لأهل العلم في المضاف إلى الله سبحانه وتعالى ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه: (الجواب الصحيح) حيث قال: المضاف إلى الله سبحانه وتعالى نوعان: النوع الأول: إضافة الأعيان، والأعيان هي جمع عين، والعين ما يقوم بذاته، فالشيء الذي يقوم بذاته لا يحتاج إلى غيره، مثل: إضافة الناقة إلى الله: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس:١٣]، والعباد: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان:٦٣]، والعبد مثلاً: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن:١٩] والبيت: بيت الله وهكذا.

وهذه الإضافة تكون على نوعين: النوع الأول: إضافة خلق.

والنوع الثاني: إضافة تشريف، فمن النوع الأول: ناقة الله، ومن النوع الثاني: عبد الله، {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [الجن:١٩]، فهذا بالإضافة إلى كونه من مخلوقات الله عز وجل فالإضافة هنا لها معنى زائد وهو التشريف، ومن هذا الباب حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل).

فقوله: (وأن عيسى عبد الله)، فهنا إضافة، (ورسوله) هذه إضافة ثانية، (وكلمته) هذه إضافة ثالثة، (وروح منه) هذه إضافة رابعة، فهذه الإضافات إضافات خلق وتشريف، وليس المقصود بكلمته وبروحه أن عيسى من كلام الله، أو أن عيسى صفة من صفات الله، أو أن عيسى روح الله بمعنى أنه صفة من صفاته كما فهم ذلك النصارى، فإن هذا فهم فاسد، فعيسى روح من الأرواح كغيره من الناس له روح وجسد، إلا أن عيسى لشرفه ومكانته وفضله فإن الله عز وجل أضاف روحه إليه، مثل: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان:٦٣]، ومثل: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ} [الجن:١٩]، فكل الناس عباد الله لكنه أضاف النبي صلى الله عليه وسلم إليه إضافة تشريف وبياناً للمكانة.

ومن هذه الإضافة إضافة الفطرة في قول الله عز وجل: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:٣٠].

والنوع الثاني من المضاف إلى الله تعالى: إضافة الأوصاف، فالنوع الأول هو إضافة الأعيان، والنوع الثاني: هو إضافة الأوصاف، والأوصاف هي التي لا تقوم بذاتها، والأوصاف جمع وصف، والصفة لا تقوم بذاتها، فتكون الإضافة حينئذ إضافة صفة إلى الله تعالى، ومن ذلك: الكلام، فإن الكلام لا يقوم بذاته، فليس أمراً يقوم بذاته وإنما يقوم بالمتكلم، ولهذا فالإضافة في قوله: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:٦] إضافة صفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>