للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم إطلاق لفظ القديم على القرآن]

والقرآن هو من كلام الله عز وجل، والناظم الذي هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا البيت يقرر أن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى، فيقول: وأقول في القرآن ما جاءت به آياته فهو القديم المنزل والآيات القرآنية تدل على أن هذا القرآن من كلام الله، وأن هذا القرآن تكلم به الله عز وجل وسمعه منه جبريل، ثم جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسمعه النبي صلى الله عليه وسلم من جبريل عليهم السلام.

وأقول في القرآن ما جاءت به آياته فهو القديم المنزل وهنا لفظة القديم خطأ، وقد سبق أن بينت أن القرآن متعلق بمشيئة الله، والدليل على أنه متعلق بمشيئة الله قول الله عز وجل: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢]، وأمره يكون بكلامه، فلا يمكن أن يكون الأمر بالإشارة، فلو أن إنساناً أشار إلى إنسان هكذا يعني: اخرج من المسجد، فإن هذه الإشارة وحدها لا يؤخذ منها الأمر حتى يقول: اخرج، وهذا أمر متفق عليه بين أهل اللغة، وهذا أمر معروف لا يجادله فيه أحد، فقوله: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢]، يدل على أن الأمر مرتبط بالإرادة والمشيئة، فهو إذا شاء تكلم، وإذا شاء فإنه لا يتكلم سبحانه وتعالى، فهو سبحانه وتعالى يتكلم قديماً ويتكلم الآن وسيتكلم يوم القيامة، ولهذا يخاطب الكفار يوم القيامة عندما يقولون: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ} [المؤمنون:١٠٦] فيقول: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:١٠٨]، فقوله: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:١٠٨] سيكون يوم القيامة، فالقول: بأن صفة الكلام قديمة قول غير صحيح، ولهذا لا يصح أن تنسب إلى شيخ الإسلام هذه الكلمة الموجودة في النظم، وهي قوله: (فهو القديم المنزل) والصحيح أنه قال: فهو الكريم المنزل، وهذا موجود في بعض النسخ، فكلمة القديم هنا غير صحيحة، بل إن ابن تيمية رحمه الله في بعض كتبه صرح بأنه لا يقال في وصف القرآن بأنه قديم، وقال: لا يوجد أحد من السلف يقول: إن القرآن قديم، فكيف يقال: بأن ابن تيمية رحمه الله يقول هذا القول، فالقرآن لا يقال عنه إنه قديم، والذين قالوا: إن القرآن قديم كان ذلك فرع عن قولهم: إن صفة الكلام قديمة، وهم يريدون أن يصلوا إلى أن كلام الله معانٍ ليست متعلقة بالمشيئة، وليست بحرف وصوت، وأنه لا يتكلم متى شاء، وكيف شاء، والسبب في هذا: هو أن أهل الكلام عندهم أصل عقلي فاسد، وهو ليس عقلياً في الحقيقة بل هو جهالة، وهذا الأصل الفاسد هو أن كل ما يدل على الحدوث عندهم فهو يستلزم الخلق، وكل ما يدل على الحركة ويدل على الوقت فهو يستلزم الحدوث، والحدوث وصف للمخلوق وليس وصفاً للخالق، وبناء على هذا أولوا كل الصفات الاختيارية، أي: أو لو كل الصفات الفعلية المتعلقة بمشيئة الله عز وجل، فقولهم هذا في كلام الله عز وجل ليس خاصاً بصفة الكلام بل هو عام في كل الصفات الاختيارية، فهم يؤولونها جميعاً ويقولون: إنه ليس هناك صفات متعلقة بالمشيئة، وهذا لا شك أنه قول باطل، فالصحيح إذاً: (فهو الكريم المنزل).

<<  <  ج: ص:  >  >>