للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أقسام الصفات الثبوتية]

الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين: صفات ذاتية وصفات فعلية.

والصفات الذاتية: هي الصفات التي لا تنفك عن الله سبحانه وتعالى بأي حال من الأحوال وهي ليست مرتبطة بمشيئة الله عز وجل، فهذه الصفات صفات ملازمة لله عز وجل في كل الأحوال، مثاله: العلم والحياة والعينين، والصفات الذاتية الأخرى مثل: العينين الساق.

وأما الصفات الفعلية فيمكن أن تنفك عن الله سبحانه وتعالى وهي متعلقة بمشيئة الله تعالى إذا شاء فعلها وإذا شاء تركها ومثال ذلك: النزول، فهو لا ينزل في كل وقت وإنما ينزل في أوقات معينة: في الثلث الأخير من الليل، ويوم عرفة، ونزل يوم معركة بدر يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، فهو ينزل سبحانه وتعالى متى شاء، وقد أخبر أنه ينزل في أوقات معينة، وارتباط النزول بوقت المعين يدل على أن النزول صفة فعلية، وليست صفة ذاتية ملازمة لله عز وجل، بل هو يفعلها متى شاء، وكيف شاء.

ومن الصفات الفعلية: الضحك والخلق والاستواء والغضب والانتقام وجنس التدبير، يقول الله عز وجل: {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف:٥٥]، (آسَفُونَا) يعني: أغضبونا، وهذا يدل على فائدتين: الفائدة الأولى: أن الغضب غير الانتقام، فإن الانتقام أثر من آثار الغضب والذين أولوا الغضب إلى الانتقام تأويلهم فاسد وذلك أن الآية فرقت بينهما، قال: (فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ).

الفائدة الثانية: أن الغضب من الصفات الفعلية، فإنه لا يغضب دائماً وإنما يغضب متى شاء سبحانه وتعالى، ولهذا ربطها بوقت معين، قال: (فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ).

والصفات الفعلية تسمى أيضاً صفات اختيارية ومعنى اختيارية أي: متعلقة بالاختيار والإرادة، فالله عز وجل يفعلها متى شاء كيف شاء.

وأهل السنة والجماعة يثبتون هذه الصفات جميعاً وينفون مشابهة المخلوقات عن الله سبحانه وتعالى وقد اجتمع ذلك في آية في كتاب الله وهي قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١]، فقوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) هذا نفي مشابهة المخلوقات، وهذه من الصفات السلبية.

وقوله: (وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) فيه إثبات الصفات لله عز وجل، وهذا داخل في الصفات الثبوتية.

وأيضاً اجتمعت في سورة من كتاب الله وهي سورة الإخلاص: فقوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١]، فيها إثبات الأحدية لله عز وجل وأنه موصوف بأنه الواحد سبحانه.

{اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص:٢]، ومعنى (الصَّمَدُ) الذي لا جوف له ولا أحشاء، فكل المخلوقات الحية لها أجواف وأحشاء؛ لحاجتها في قوامها إلى الأكل والشرب، أما الله عز وجل فهو الغني سبحانه وتعالى عن كل شيء، ولهذا قال العلماء في قوله: (الصَّمَدُ) الذي لا جوف له.

وقيل: (الصَّمَدُ) الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها، فهذه من الصفات الثبوتية.

وقوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص:٣]، من الصفات السلبية، فنفى عنه الولادة، فهو لم يلد ولم يولد يعني: ليس مولوداً ولا والداً سبحانه وتعالى، وهذه من الصفات السلبية.

وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:٤]، أيضاً من الصفات السلبية.

فآيتان من السورة في الصفات الثبوتية، وآيتان في الصفات السلبية، فجاءت هذه السورة بأنواع الصفات كاملة كما جاءت بها آية الشورى التي سبق أن أشرنا إليها.

والصفات الفعلية يقسمها العلماء إلى قسمين: القسم الأول: صفات فعلية لازمة.

والقسم الثاني: صفات فعلية متعدية.

فأما الصفات الفعلية اللازمة: فهي الصفات التي يفعلها الله عز وجل ولا يكون لها أثر على الخلق بشكل مباشر، مثل: النزول والضحك ونحو ذلك.

وهناك صفات فعلية متعدية وهي صفات الربوبية مثل: الخلق والرزق، والإحياء والإماتة، والتدبير، فهذه كلها أفعال يفعلها الله عز وجل وهي متعدية إلى خلقه، أي: لها آثار على خلقه.

ولا بد من بيان قضية مهمة جداً وهي أن هذه التقسيمات وهذه التفريعات لم تكن موجودة بهذه الألفاظ وهذه التقسيمات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما جاءت فيما بعد من باب تقريب العلوم، فالعلوم عندما انتشرت وتوزعت احتاج العلماء لتقريبها إلى الناس من خلال التفريعات والتقسيمات والأنواع، فالتقاسيم والأنواع ظهرت في كل العلوم وليست خاصة في الاعتقاد، فقد ظهرت في النحو، وفي لغة العرب والبلاغة وفي الأصول والمصطلح، وحتى العلوم الطبيعية فيها أقسام؛ لأن التقسيم تمييز بين أمرين متشابهين، ومن الدقة العلمية أن الإنسان يميز بين الأمور المتشابهة، وهذا التقسيم في حد ذاته عملية اصطلاحية، ولهذا قال العلماء: لا مشاحة في الاصطلاح، أي: ليست المشكلة في الاصطلاحات، فيمكن أن يستخدم الإنسان المصطلح أو ممكن أن يقسم، أو يذكر أنواع.

<<  <  ج: ص:  >  >>