للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إثبات صفة النزول لله تعالى]

يقول ابن تيمية: (وإلى السماء بغير كيف ينزل)، هذه هي الصفة الثانية وهي صفة النزول، وهي صفة ثابتة لله سبحانه وتعالى، وهي مرتبطة بمشيئة الله سبحانه وتعالى، وهذه الصفة من الصفات الاختيارية الفعلية التي يفعلها الله عز وجل متى شاء، كيف شاء، ولم يرد نص من القرآن في إثبات النزول، ولكن ورد في السنة النبوية، فقد ثبت حديث النزول ثبوتاً متواتراً كما نص على ذلك أبو زرعة الدمشقي من أهل الحديث، وابن تيمية والذهبي من المتأخرين وغيرهم، وهو حديث مشهور، روي بألفاظ متعددة، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا في الثلث الآخر من الليل إلى السماء الدنيا، فيسأل: هل من مستغفر؟ هل من تائب؟ حتى يطلع الفجر)، وهذا حديث صحيح متواتر، مروي في الصحيحين وغيرهما، وهو منقول في كتب أهل العلم.

وقد حاول الإمام الدارقطني رحمه الله أن يجمع مرويات هذا الحديث في كتاب مستقل سماه: كتاب النزول، ولـ ابن تيمية رحمه الله شرح طويل وكبير رد فيه الشبه التي جاء بها نفاة هذه الصفة، في كتاب مستقل سماه: شرح حديث النزول.

مطبوع ضمن الفتاوى، وطبع مستقلاً.

وصفة النزول يثبتها أهل السنة، وينفون عنها مشابهة المخلوقات كعامة صفات الله عز وجل، ولكن الأشعرية والمعتزلة ينفون هذه الصفة؛ لأنهم يقولون: إنها تستلزم الحدوث، وتستلزم حلول الحوادث بذات الله سبحانه وتعالى، ولا شك أن هذا قول فاسد؛ لأنه مناقض لخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

هناك شبهة ذكرها ابن تيمية رحمه الله في شرح حديث النزول، وهي ترد عند كثير من الناس، وهي قولهم: إذا كان الله سبحانه وتعالى ينزل في الثلث الأخير من الليل؛ فإن الليل يختلف من قطر إلى قطر، ومن بلد إلى بلد، فكيف نفهم هذا الحديث؟ فقال ابن تيمية رحمه الله: إن هذه الصفة من صفات الله عز وجل، والصفات فرع عن الذات، فإذا كنا لا نعرف كيفية الذات فنحن أيضاً لا نعرف كيفية الصفات، بل لله عز وجل صفات تليق بجلاله، ولهذا نقول: ينزل مع اختلاف الأقطار، واختلاف أوقات هذه البلدان وتنوعها، لكن لا نعرف الكيفية.

وقد ذكر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في رسالة له في الصفات قاعدة عظيمة جداً، وهي: (قطع الطمع بإدراك الكيفية)، فيجب أن يقطع الإنسان الطمع بإدراك الكيفية؛ لأن الكيفية لم يعلمنا الله عز وجل إياها، ولا أخبرنا بها، نعم لصفات الله عز وجل كيفية في ذاتها، لكن نحن لا نعرفها، ولم يعلمنا الله عز وجل هذه الكيفية؛ ولهذا نحن نفهم معاني الأسماء ومعاني الصفات، لكن لا ندرك كيفيتها، فقدعلمنا الله سبحانه وتعالى أنه لا يشبهه شيء من خلقه، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١]، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:٦٥]، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:٤]، وغير ذلك من الأدلة الثابتة في هذا الباب.

<<  <  ج: ص:  >  >>