للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم الخروج على من يطبق الأحكام الوضعية]

وأما مسألة: حكم الخروج على مثل هذه البلاد التي طبقت القوانين الوضعية، فنقول: إن تطبيق القانون الوضعي لا شك أنه كفر، والقانون الوضعي في حد ذاته كفر، وقد أفتى فيه أهل العلم وفتواهم فيه واضحة وبينة، وأما التطبيق على المعينين فهو موطن إشكال؛ لأنه يترتب عليه مسألة وجود الشروط وانتفاء الموانع، وهذا مما يختلف فيه الناس وهذا يناط بأهل العلم؛ لأنه من الأمور العامة فإذا طبق القانون الوضعي فالواجب الدعوة والإصلاح والإنسان صاحب الجهد والقدرة والمعرفة يجب عليه أن يبذل ذلك في إصلاح الأمة، فالله عز وجل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يجاهد الكفار والمنافقين، وفرق بين جهادهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة:٧٣]، ولو كان جهادهم واحداً لجعل الطلب واحداً، ولكنه فرق بينهما فأمر بجهاد الكفار وأمر بجهاد المنافقين، فجهاد الكفار يكون بالقتال، وأما جهاد المنافقين يكون بالتوضيح والبيان، والدعوة والإصلاح، والاحتساب والابتعاد عن كل ما يكون سبباً من أسباب الفتن، ولهذا فإن الذين يتحدثون عن الجهاد في العصر الحاضر، لهم تجربتين: تجربة نجحت وجلبت تعاطف المسلمين وأُيدت من كافة المسلمين، ولا يقدح فيها إلا منافق أو رجل مُغرّر به لا يعرف الحقائق.

وتجربة ثانية وجدت معارضة كبيرة جداً من داخل البلاد الإسلامية، وسببت فتناً ومشكلات كبيرة جداً.

فأما التجربة الأولى: فهي قتال الكفار الأصليين الواضحين، أمثال الروس في أفغانستان وفي الشيشان، والهندوس في كشمير، والأمريكان في العراق، وغير ذلك وهذه كلها من الأمور التي يجب دعمها؛ ولأنه قتال ضد الكافر الأصلي الواضح الكفر الذي لا إشكال في كفره، المحتل لديار المسلمين، والذي يريد أن يغير عقائدهم وأفكارهم ودينهم، وهذه من الأمور التي لا خلاف فيها ولا يجوز الخلاف فيها بأي وجه من الوجوه ولو حصل في مثل هذه الأمور -جهاد الكفار الأصليين- خلاف لما كان للجهاد معنى.

والحقيقة أن مذهب من يرى أنه ليس في العراق جهاد مذهب لو اطرد لأدى إلى إلغاء الجهاد كله من أصله.

وهناك فرق بين من يقول: أوصي الشباب بعدم الذهاب إلى العراق، وعليهم بالدعوة لإصلاح بلادهم.

وبين من يقول: ليس في العراق جهاد نهائياً، وأنه يجب على العراقيين أن يستسلموا للأمريكان، وأن يشكلوا حكومة عميلة للأمريكان كما يشتهون.

فهذا لا يقول به إنسان يعرف طعم العلم أو تذوقه أصلاً، نسأل الله أن يعيذنا من كل مشكلة.

فلو دخل العدو إلى بلادنا وأراد أن يشكل حكومة كما يشتهي ويرغب، وتكون عميلة له تتابعه في كل شيء فلا يجوز لمسلم أن يقول: لا تقاتل الكافر الذي يحتل بلدك ويقاتلك؛ لأن مقاتلة هذا العدو جهاد، وهو من أوضح الجهاد بل إنه تكفله حتى القوانين الوضعية العالمية، وحتى قوانين هيئة الأمم المتحدة تكفل مثل هذه الأشياء، فأي بلد يستحله عدو له لا لشيء إلا لأنه قوي فقط فيجب أن تقاتله وتدافعه؛ وحتى البلاد الكافرة التي احتلت شعوباً أخرى تختلف عنها عرقياً قاتلوها حتى أخرجوها، أفيقال للمسلمين: استسلموا حتى يحتلكم العدو ويشكل لكم حكومة كما يشتهي، ويعبث بكم؟! فلو استسلم المسلمون في العراق لقامت أمريكا باحتلال جميع البلاد الإسلامية وتشكيل حكومات جديدة كما تريد وتهوى، وهذه حقيقة معروفة وهم قد صرحوا بهذا وقالوا: إذا انتهينا من العراق فسيأتي الدور على من بعده، فلا يمكن أن يقال لمسلمين يحتلهم أعداؤهم من الكفار: لا تقاتلوهم.

فهذا من شواذ المذاهب الغريبة.

والذي يتعاون مع المحتل ويُنصَّب لا يسمى ولي أمر، ولا يصبح ولي أمر؛ لأن ولايته لا أساس لها، وهذا لا شك أنه مذهب غريب في غاية الغرابة.

وأما التجربة الثانية التي فشلت فشلاً ذريعاً في بلاد المسلمين فهي التي أراد بعض المنتسبين للجهاد أن يبدؤها في البلاد الإسلامية فقاتلوا داخل البلاد الإسلامية، وقتلوا عدداً كبيراً من المسلمين، وقتل عدد منهم وكانت النتيجة هي أن أهل الإسلام رفضوا مثل هذا الأمر، كما رفضه أهل العلم؛ لأن فيه فتنة داخل البلاد الإسلامية، وليس فيه طريق للإصلاح.

<<  <  ج: ص:  >  >>