للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نازلة الحوار بين الأديان]

مسألة الحوار بين الأديان مسألة جديدة، ومجرد التحاور بين أصحاب الأديان ليس جديداً؛ لأن الحوار الذي هو ترديد الكلام ليس أمراً جديداً، فالدعوة وتوجيه الدعوة للأديان الأخرى هو من جنس الحوار بمعناه اللغوي العام، ولكن الحوار بين الأديان أصبح الآن مصطلحاً خاصاً يراد به نموذجاً معيناً من التفاهم مع أصحاب الأديان الأخرى، وهذا النموذج هو الاتفاق مع أصحاب دين من الديانات الأخرى مثل النصرانية على العمل على القضايا المشتركة بين المسلمين وبينهم، مثل مقاومة الإلحاد والفقر والفساد الأخلاقي؛ لأن هذه الثلاث القضايا يتفق عليها المسلمون والنصارى، فيقولون: نتعاون على هذه القضايا ونترك ما عداها من القضايا التي هي مثار خلاف وجدال، مثل الكلام في قضايا العقائد، ويقولون: إن هذا يحقق مصالح كثيرة جداً للمسلمين وهذه الصورة ليس فيها إقرار بدينهم، ولا دمج للأديان بعضها مع بعض، كما في قضية وحدة الأديان المعروفة، وليس فيها تخلٍ عن الدين، وإنما فيها العمل على قضايا مشتركة فما حكم هذه القضية؟

و

الجواب

أن حكم مثل هذه الحالة يعتمد على جانبين: الجانب الأول: هو أن يعتقد أن دين هؤلاء الكفار دين يدينون به، ودين الإسلام هو الدين الصحيح، وأنهم كفار، ويطبق عليهم أحكام الكفر المعروفة في الإسلام.

والجانب الثاني: ألا يُكفر اليهود والنصارى، وإنما يرى أنهم أصحاب وجهة نظر -كما يقولون- وقد يدخلون الجنة؛ لأنهم يسيرون إليها من طريق ونحن نسير إليها من طريق آخر.

فإن كان الحوار على هذا الجانب فهذا نقض لأصول الدين؛ فإن لا إله إلا الله تقتضي تكفير الكافر والله عز وجل قد صرح بتكفير اليهود والنصارى، وعقائدهم تناقض أساس الدين، فهم لا يؤمنون بالنبي صلى الله عليه وسلم، ويشركون بالله عز وجل فإذا كان الحوار بين الأديان يقتضي عدم تكفير اليهود والنصارى فهو نقض لأصل الدين وأساسه.

وإن كان المحاور يعتقد أنهم كفار ولن يصلوا إلا إلى جهنم وليسوا على حق وإنما هم على باطل، وأن أحكام الإسلام المرتبة في العلاقة بين المسلمين والكفار تترتب على العلاقة معهم، سواء في حالة الصلح أو في حالة الحرب، ويقول: بأن هذه مصلحة من مصالح المسلمين في الوقت الحاضر فنقول: إن هذا من البدع المضلة ما والسبب في كونها بدعة هو أن المقتضي لهذا كان موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الأديان كانت موجودة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، والفقر كان موجوداً، والوثنيين كانوا موجودين ومع ذلك لم يتعاون عليه الصلاة والسلام معهم -يعني: مع اليهود والنصارى- ويترك الدعوة وهذه قضية مهمة جداً تدل على بدعية مثل هذه الحوارات؛ لأن فيها تخلياً عن الدعوة إلى الله؛ لأن من شروط وثيقة الحوار ألا يدعو المسلمون أهل الدين النصراني، وألا يدعو النصارى أهل الدين الإسلامي وهذه وثيقة باطلة؛ لأن الدعوة واجبة ولا يجوز التخلي عنها بأي وجه من الوجوه وبناء على هذا ففكرة الحوار بين الأديان بالطريقة الموجودة طريقة بدعية مخالفة لمنهج الأنبياء والمرسلين في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، والحقيقة أنها مبنية في الأساس على منهج منهزم وهذا المنهج المنهزم جعل المحاورين من المسلمين ينظرون إلى النصارى على أنهم أقوى أثراً من المسلمين، والحقيقة عكس ذلك.

وأول من بدأ فكرة الحوار من الناحية التاريخية هم النصارى عام ١٩٦٥م عندما حصلت التحولات في المذهب الكاثوليكي بسبب الانغلاق الكبير فيه فأرادوا الانفتاح وذلك بطرح فكرة الحوار، وأسسوا فرعاً موجوداً في الفاتيكان سموه الحوار بين الديانات، وطلبوا من الدول الإسلامية أن تفتح المجال للحوار بين الأديان وضُغط على الأزهر في تلك الفترة أيام السادات، وعلى عبد الحميد محمود شيخ الأزهر في تلك الفترة حتى وافق على أن يفتح فرعاً في الأزهر سمي: بلجنة الحوار بين الأديان، ثم رفضها الأزهريون بعد ذلك، ثم أعيدت مرة أخرى وهذا يدل على أن وراء هذا بعدٌ سياسي، ويمكن أن يراجع في هذا الموضوع كتاب: (الأبعاد السياسية للحوار بين الأديان)، وهو كتاب مفيد، يبين أن هذه الحوارات ليس لها حقيقة ولا فائدة في الواقع، وإنما الهدف منها هو إيقاف المد الإسلامي الذي بدأ ينتشر بشكل مذهل في أوروبا وفي أمريكا، وفي الوقت نفسه تراجعت النصرانية بشكل كبير، فالواجب هو ألا نجتمع في طاولة مستديرة مع النصارى لنتكلم عن الإلحاد الذي سقط عام ١٩٩٠م وغيرها من القضايا، وإنما لندعوهم إلى الله عز وجل وننصحهم، فإن لم يقبلوا دعوتنا طلبنا مناظرات بيننا وبينهم لعل الله عز وجل أن يهديهم، وذلك من خلال دراسة منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الحوار مع أصحاب الأديان الأخرى من خلال وفد نجران وذلك بجمع طرق حديث وفد نجران وجعلها في سياق واحد، ثم أخذ الفوائد وربطها بالواقع المعاصر، من خلال حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع هذا الوفد الذي جاءه فقد كان هذا الوفد من النصارى.

فهل حاورهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفس المنهجية التي يُحاور عليها الآن، وهي ا

<<  <  ج: ص:  >  >>