للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الرد على المنحرفين بمنهج متميز]

المسألة الثانية: الرد على المنحرفين بمنهج متميز، شخص الآن سلك مسلك علم الكلام، وبدأ يؤلف في ذلك مؤلفات، وشخص بدأ يدخل في البدع ويدافع عنها، ويكتب فيها المؤلفات، فما هو منهج أهل السنة في هؤلاء وفي الرد عليهم؟ ليس منهجهم منهج السب والشتم واللعن، وإظهار العيوب كما يحصل من كثير من الناس، حتى الذين ينتمون أو يدعون الانتماء إلى المنهج السلفي.

وهنا مثال على ذلك: ابن حجر الهيتمي له كتاب اسمه: الفتاوى الحديثية، له في هذا الكتاب فتوى قدر صفحة كاملة، سئل فيها: ما رأي فضيلتكم فيمن يقول: إن الطلاق بالثلاث يقع واحدة، وإن ابن تيمية يقول كذا وكذا؟ جاءوا بقول ابن تيمية فقط وهم يريد الحكم في ذلك، فماذا كانت النتيجة؟ قال: أما ابن تيمية فهو شيخ أضله الله وأعماه، وأعمى بصره، وكلام طويل قدر ثلاثة أرباع الصفحة، ثلاثة أرباع الصفحة هذه كلها سب وشتم لـ ابن تيمية.

ثم في الأخير جاء بقوله الفقهي أو حكمه الذي يراه: أنا رأيي في هذه المسألة كذا وكذا في حدود سطر.

نقول: انتقل الآن إلى شيخ الإسلام ابن تيمية وانظر كيف يرد على المنحرفين! يذكر القول مثلاً عن ابن سيناء ثم يقول: أما هذا القول فهو قول ساقط متهافت، ما يتعرض إلى شخصيته، مع العلم أن ابن سيناء ثبت كفره، فقد كان يقول عن نفسه: إنني أنا وأبي من أصحاب دعوة الإمام العبيدي، أي: الدولة التي تسمى خطأً الدولة الفاطمية، ومع ذلك نجد ابن تيمية يقول: قال ابن سيناء كذا ويرد عليه.

ويقول: ابن المطهر الحلي، ولا يقول: قال ابن المطهر الحلي الرافضي المجرم الكافر، لا يقول هذا؛ لأن القضية ليست قضية رد على ذوات، وإنما رد على فكر.

إذاً: منهج الرد على أهل الأهواء أو أهل البدع أو أهل الأخطاء عند السلف منهج متميز.

ودعونا ننقل هذه الصورة إلى واقعنا الآن، أنت الآن ترى الشيخ فلاناً من العلماء أو من طلبة العلم أخطأ أو اجتهد اجتهاداً معيناً في مسألة معينة، وهذا الخطأ أمر عادي؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لنا: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) وقال: (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم).

إذاً: تجد أن الأخطاء هذه مسألة حاصلة، فليس هناك أحد معصوم إلا الأنبياء والمرسلين، فماذا يترتب على ذلك؟ تجد أن هؤلاء يأخذون هذا الخطأ، ثم يقيمون الدنيا ولا يقعدونها على هذا الخطأ، ويردون عليه ردوداً كثيرةً ومستفيضة، وربما يكبرون القضية حتى يخرجوا هذا الشخص من الإسلام، أو يتهمونه بأنه من غير أهل ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا أمر حاصل، لكنه ليس من منهج السلف، من سار على هذا المنهج فليس من السلف في هذه المسألة بالذات، فما بالكم بالمسائل الأخرى! أنت الآن تسير في الشارع ورأيت رجلاً مثلاً عليه سيما الانحراف في جوانب معينة، فيا ترى عندما ترى ذلك عليه كيف ستتعامل معه هل تقول له: يا كلب! لماذا تفعل هذا الفعل؟ هذا ليس من منهج السلف، إن فعل أحد ذلك قيل له: تعال، أنت خالفت ما عليه السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم في مناقشة أصحاب الأخطاء، بل فتأخذه جانباً وتعرض عليه خطأه بأسلوب لطيف جميل هادئ، وهذه مسألة لعلكم كلكم تطبقونها.

فمثلاً: إمام المسجد جمع يوماً من الأيام خمسة أو ستة أو سبعة من أهل الحي ويقول: يا جماعة! فلان من الناس جارنا لا يصلي معنا الفجر، وفلان جارنا هذا ما نراه يصلي معنا أبداً، وفلان عليه ملاحظات كذا وكذا ما هو الأسلوب الحسن لدعوته؟ هل أحد منكم سيقول: نذهب ندق عليه الباب ثم نسحبه بقوة، ثم نأتي به إلى المسجد هنا ونضربه ونحقق معه؟ لا يوجد أحد يقول هذا أبداً، إنما كل واحد يأتي بأسهل الأفكار والطرق وأيسرها لإبلاغه بهذه النصيحة.

ممكن نزوره يوماً من الأيام ونجلس نتحدث معه في كل المواضيع إلا موضوع الصلاة، ثم نضع له كتيباً وشريطاً بدون ما يشعر، ثم نخرج، فهذا منهج متميز في الرد، لكن أهل الأهواء والبدع يتسقطون الأخطاء، تجد أحدهم يبحث عن أي خطأ، ثم بعد ذلك يكبره ويكبره ويكبره! ثم بعد ذلك ينشره بين الناس على أنه خطأ فلان ابن فلان من طلبة العلم أو من العلماء أو غيره، هذا هو منهج دارج وموجود وللأسف الشديد، وبالتالي فمن فعل ذلك فقد خالف منهج السلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>