للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وقفات بين يدي الموضوع]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: قبل أن أتناول موضوع هذه الصفحات أحب أن أقف وقفات ثلاثاً: أما الوقفة الأولى: فهي وقفة موجزة مختصرة مع الحديث العظيم الذي تعد هذه الوريقات جزءاً من فقراته، فقد اشترط الحديث العظيم لدخول الجنة نقاطاً أربعاً، وتمثل هذه النقاط الأربع تنظيماً كلياً للمجتمع، ولا عجب فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم، فعندما بين هذا في النقاط الأربع بين فيه ترابط المجتمع في التربية الذاتية، وتربية الروح وترويض النفس لقيام الليل، والتآلف والتكاتف الاقتصادي، وعدم التعالي والتكبر، ونبذ الطبقية بإطعام الطعام، والألفة الاجتماعية الخاصة بصلة الأرحام، ثم الألفة الاجتماعية العامة بإفشاء السلام، فلو تحقق ذلك فينا لوجدنا ترابطاً عجيباً في المجتمع، ولكننا وللأسف الشديد نجافي كل هذه الأمور الأربع؛ فلذلك نجد أن التفكك موجود داخل المجتمع وبكل وضوح، وعدم تطبيق هذه النقاط سبب من أسباب هذه الفرقة.

أما الوقفة الثانية: فإن البعض يشير إلى أن سبب زهد الناس في قيام الليل هو قلة المبادرة إلى صلاة الفجر، تقول بنت موشي دايان في مذكرات والدها الذي كان وزيراً للدفاع أو للحرب الإسرائيلية عام ٦٧م، والذي قاد الجيوش اليهودية في الحرب ونجح في احتلال سيناء والجولان والضفة الغربية والقدس، تقول عنه: إن والدي بعد دخوله للقدس ذهب في جولة تفقدية ومعه أركان حربه، فرأى مجموعة من الشبيبة الفلسطينيين جلوساً يدخنون، فعندما رأوا هذا الرجل -وكان مميزاً فقد كان أعور، وكان يلبس غطاءً أسود على عينه- ثاروا في وجهه وقالوا: سنحرر فلسطين وسنطردكم أيها اليهود، وسنقضي عليكم، فابتسم ابتسامة الشامخ، وكان يجيد اللغة العربية أكثر من أهلها، فقال لهم: نعم.

إنكم ستدمروننا وستقضون علينا وستطردوننا، ولكن أتدري متى يا فتى؟ فقال هذا الشاب: لا؛ لأنه لا يعلم، فقال موشي دايان عبارة ربما كثير من خطباء المسلمين ومحاضريهم قد لا يأتي بها، ومع أن هذه عبارة أخذت من مجرم لكن فيها بيان عجيب، يقول: إذا كنتم في صلاة الفجر كأنكم في صلاة الجمعة.

إنها أربع كلمات لكن لها دلالتها، فنحن في صلاة الجمعة نذهب إليها مبكرين نشطاء متذللين جميعاً صغاراً وكباراً، ونحن في شوق واستعداد تام، فلو انطبق هذا الأمر على صلاة الفجر فلا شك أنه سيكون قد تمكن الإيمان منا، وبالتالي سنستطيع أن ندحر هذا العدو اليهودي الرابض على أرضنا.

أما الوقفة الثالثة بين يدي هذا الموضوع، فيقول الشاعر: امنع جفونك أن تذوق مناما وذر الدموع على الخدود سجاما واعلم بأنك ميت ومحاسب يا من على سخط الجليل أقاما لله قوم أخلصوا في حبه فرضى بهم واختصهم خداما قوم إذا جن الظلام عليهم باتوا هنالك سجداً وقياما خمص البطون من التعفف ضمراً لا يعرفون سوى الحلال طعاما

<<  <  ج: ص:  >  >>