للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مقاتل المسلمين في القديم]

أما مقاتل المسلمين في القديم فتنقسم إلى قسمين: العدو الخارجي المباشر، والعدو الداخلي المتخفي، يغريه العدو الخارجي بالمال من أجل الدخول إلى هدفهم.

فمن النماذج ما حصل من دولة الحشاشين التي عاشت من عام (٤٢٠) للهجرة إلى عام (٥٥٠) للهجرة، في حدود (١٣٠) سنة، دولة الحشاشين هذه قامت بطريقة لطيفة وقضت على الزعامات الإسلامية، إذ كان لديها منهج، ألا وهو: أن المسلم يموت إذا مات زعيمه، أو يموت إذا مات عالمه وهو باق على قيد الحياة، فلا يهمه أن يكون المسلم يأكل ويشرب وينام وينكح ويسكن فهذا أمر اعتيادي، لكن لا يريد منه أن يكون داعية إلى الله، فإذا جرد من العالم أو جرد من الزعيم الصالح، فإن هذا المسلم يسهل فيما بعد تحريكه يمنة ويسرة، ولذلك تجد أنهم ركزوا على الزعامات، فبدءوا في قتل الزعامات المسلمة وعرف عنهم بالانتحاريين أو الفدائية، ويسميهم المؤرخون الفداوية، أي: أنهم يفدون أنفسهم في سبيل مذهبهم، فقتل على أيديهم مجموعة كبيرة من القضاة والعلماء والدعاة، بل الوزراء والحكام، فقتلوا نظام الملك وهو من الوزراء المعروفين المشهورين الذي كان له إصلاح كبير في الدولة المسلمة، وكادوا أن يقتلوا صلاح الدين الأيوبي، فأقول: هؤلاء الحشاشون أثمرت جهودهم ثماراً ليست باليسيرة، وبقيت دولتهم وامتدت إلى زماننا الحاضر، فالمنهج الإسماعيلي: البهرة الإسماعلية، المكارمة، إلى آخر ذلك، كل هؤلاء يعدون امتداداً فكرياً لهذه الدولة- أي: دولة الحشاشين-.

أقول: الحسن بن الصباح خرج من مصر رجلاً عالماً مثقفاً شاباً جلداً قوياً بعد خلاف حصل داخل الدولة الفاطمية المصرية، بعد موت الحاكم بأمر الله الفاطمي عام (٤١١هـ)، فخرج إلى العراق ثم خرج إلى مناطق إيران، ثم اتجه إلى مناطق أفغانستان، ثم عاش هناك وفكر في إنشاء دولة، انظروا إلى علو الهمة، فقد كان فيه علو همة لم تكن في غيره، إذ قرر أن ينشئ دولة وهو فرد واحد، لم يقل: سأنشئ قصراً وأتزوج ويكون لي أولاد وأرض واستراحة وكذا، لا، كان همه إنشاء دولة، وفعلاً وصل إلى هدفه بالطريقة المرتبة المنظمة، فقد ذهب إلى القرى الفقيرة، فتعرف على مجموعة من الشباب، وبدأ يتصادق معهم، ثم بدءوا يجلسون سوياً، وجعل هذه الجلسة في مكان بعيد عن الناس، ثم كوّن مبنىً صغيراً، ثم طوره وجعله مبنىً محصناً، ثم قال: نريد نقود لننفق على أنفسنا، لماذا لا نذهب إلى القوافل المهاجرة أو المسافرة من منطقة إلى منطقة ونعرض عليها الحماية، نقول: نحميكِ من مكان كذا إلى مكان كذا مقابل كذا ونسير معهم، ثم نأخذ منهم نقداً، فإن رفضت وهي قافلة صغيرة هاجمناها وأخذناها، وإن كانت كبيرة تركناها، شيئاً فشيئاً حتى جمع المال ثم بنى القلعة على رأس جبل، ثم بدأ يوسع في القلعة ويكبر فيها، إلى أن وصلت إلى الهدف الذي يريد، ثم بعد ذلك بدأ يحقق المنهج الدعوي، وقد وجد بجانب هذه القلعة غابة من أجمل الغابات وفيها نهر يجري، فبنى فيها قصراً جميلاًن وجعل فيها من الأثاث الشيء الجميل، جاء به من العراق، ثم وضع فيها أربعة من الفتيات الجميلات، ثم بدأ يبث الدعاة: اذهبوا إلى القرى، وقولوا لهم: تعالوا إلينا ونعرض عليكم ما عندنا، فإن وافقتم عليه فخذوه، وإن عارضتموه فاتركوه فأنتم أحرار، فكان هؤلاء الفقراء وهم أوساخ وقذارى الناس يدخلون القلعة، فيقولون لهم: أول شيء لا بد أن نضيفكم، فيعطون صحناً صغيراً فيه بعض المأكولات المعتادة، ثم كأس صغير فيه حشيش؛ ولذلك سموا بالحشاشين، يشرب هذا الرجل كأس الحشيش ثم يتخدر، ويؤخذ ويدخل به إلى دورة المياة، ثم ينظف شعره وأظافره وتغير ثيابه ويلبس أساور الذهب والفضة والثياب الحسنة والأطياب والعطورات، ثم ينزل به إلى هذا القصر الصغير فيستيقظ بعد نوم طويل، يلتفت يمنة فيرى نساء جميلات، ويلتفت يسرة فيرى نساءً جميلات، أمامه بيت فاخر لم يتخيل رؤيته في أحلامه، فإذا خرج قليلاً رأى غابة من أجمل الغابات ونهراً، فتقول له أحد الفتيات: إنك في الجنة، وهذا أول قصورك ولك قصور كثيرة، وتعال لدينا، ويحاول أن يتحرش بهن، فيقلن: لا، انتظر، فأنت زائر، كل واشرب، ثم نحن لك وأنت لنا، فيؤتى له بآنية، ويؤتى له بغذاء لم يتخيله في آنية الذهب والفضة فيأكل ويشبع، ثم يشرب كأساً من حشيش ويتخدر، فيعاد به مرة أخرى إلى القلعة ثم يستيقظ بعد أن تغير ثيابه ويعاد إلى ثيابه الأولى، فيستيقظ من منامه فيرى ثيابه القذرة، لكن أظافره قد قلمت ورائحته جميلة وشعره مرجل وثيابه قذرة، فيكون هناك صراع داخلي عجيب: ماذا يفعل؟ ماذا يصنع؟ ما الذي حصل؟ هل هو منام؟ هل هو يقظة؟ لا، فيدخل عليه رجل وقور يقول له: يا بني! لعلك رأيت في منامك كذا وكذا ويذكر له القصة، يقول: نعم، رأيت، فيقول الرجل: إن ما تراه من رائحة وشعر من آثار رؤيتك، وهذا مكانك في الجنة إن كنت معنا على الخط، فيؤمن بهم، وبهذه الطريقة استطاع أن يجمع عشرين ألف جندي، وأرسل له أحد الخلفاء العباسيين رسالة يهدده فيها ويتوعده، وأنه لا بد أن يستسلم؛ لأن جنوده تقدمت حتى كادت أن تحاصر بغداد، واستطاعت أن تقتل آلافاً مؤلفة من المسلمين، فأرسل له الخليفة رسالةً يتهدده فيها، وأنه قد جهز له جيشاً عرمرماً ضخماً قوامه مائة ألف، فقال للرسل: ليس لدي رد، ولكن الرد انظروا: تعال يا فلان! ارم نفسك من القلعة، فرمى نفسه من القلعة، يا فلان! اقتل نفسك، أخذ الخنجر وقتل نفسه، يا فلان! اقطع لسانك، فضغط على لسانه فقطعه فنزف فمات، قال: قل للخليفة: إن لدي عشرون ألفاً يحبون الموت كما تحبون الحياة، وكلهم من هذا الجنس، لم؟ لأن كلاً منهم في ذهنه أنه إذا مات سيذهب إلى ما رآه في حلمه-أي: الجنة- فاستطاع أن يكون دولةً ضخمة تشمل إيران وأجزاء من العراق، وأفغانستان وباكستان وجنوب الاتحاد السوفيتي لتكون دولة للحشاشين، واستطاع أن يقضي على الكثير من أهل السنة، ولذلك يقال: إن أذربيجان الآن وهي دولة من الدول التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي أغلب أهلها من الشيعة: يقال: إنهم أثر من آثار هذه الهجمة الإسماعيلية بقيادة الحشاشين.

<<  <  ج: ص:  >  >>