للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أسباب حسن الخاتمة]

فهذه الحادثة المؤلمة، وهذا الموقف الرهيب الواقعي الذي يتكرر يعطي المتأمل دلالات، منها: أن الإنسان في هذه الدنيا لا محالة واقع في أحد طريقين: إما سوء الخاتمة، وإما حسن الخاتمة، فمن كانت خاتمته حسنة فإنه سيراها قبل أن يلفظ نفسه الأخير، وإن كانت خاتمته سيئة فسيراها كذلك قبل أن يلفظ النفس الأخير.

ولعل سائل يسأل ويقول: أنا أتمنى وأرجو وأطلب أن أكون ذا خاتمة حسنة، فهل هناك أسباب أو وسائل إن تمسكت بها منّ الله علي بالخاتمة الحسنة؟

و

الجواب

نعم، هناك أسباب ووسائل إن تمسك المرء بها كانت خاتمته حسنة إن شاء الله، وسأعرضها بإيجاز: أما السبب الأول من هذه الأسباب: فهو أن تتذكر الموت باستمرار وما بعد الموت وما يحصل في القبر، وليكن في مخيلتك.

أيها الحبيب! هذا الموت الذي لا يفرق بين غني ولا فقير، ولا بين صعلوك وملك، فشأن الموت أنه يأتيك كما أتى غيرك، وسينقلك من دار إلى دار، فإنك إذا فكرت في ذلك فإن الدنيا ستهون عليك، وبالتالي ستبدأ بالتفكير بما هو أهم وهي أمور الآخرة.

أما السبب الثاني: أن تحرص على أن تشارك بقدر ما تستطيع في تشييع الجنائز، وفي تغسيل الموتى، وفي زيارة المقابر، فهذه تذكرك باستمرار بالآخرة، بل ولعلك ترى مشهداً أو منظراً أو موقفاً وأنت تغسل ميتاً يعطيك صورة تنطبع في قلبك لا تزول أبداً إما حسن خاتمة أو سوء خاتمة.

أما الثالث: فالابتعاد عن مقسيات القلوب، فنحن اليوم ولا حول ولا قوة إلا بالله نعيش بقلوب كالحجارة بل أشد قسوة، والذي جعلها قاسية يتمثل في جملة أسباب من أبرزها وأشهرها: وسائل الإعلام، نحن وللأسف الشديد نعكف على وسائل الإعلام فتقسو قلوبنا، ثم نشتكي للآخرين ونقول: نحن ذوو قلوب قاسيه.

نسمع القارئ يقرأ في صلاة التراويح أو في صلاة القيام قول الله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر:٣٦ - ٣٧].

و (هم يصطرخون فيها) أي: يصرخون ويصيحون بأعلى صوت، فلا تتأثر! كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى إلى والي من ولاته موعظة فقال له: تذكر صراخ أهل النار في النار مع خلود للأبد.

فما كان من هذا الوالي إلا أن أغلق الكتاب ثم ركب ناقته وقدم على عمر وقال: والله يا أمير المؤمنين لقد خلعت فؤادي بخطابك هذا، والله لا عملت لك عملاً، ثم اتجه إلى عبادة ربه.

لقد أخاف هذا المشهد الوالي وعظم في صدره وأصبح يتخيل دائماً صراخ أهل النار في النار مع خلود للأبد، وأما نحن فنسمع الآيات التي تصف هؤلاء في النار ومع ذلك لا نلقي لها بالاً.

ومن تلك الآيات: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف:٧٧]، فهم يتمنون الموت فلا يجدوه، فهذا مشهد ينخلع له القلب الحي، أما نحن فنسمع ذلك فلا تتحرك الأفئدة؛ لأنها قاسية، فأسباب القسوة كثيرة ومن أبرزها: وسائل الإعلام التي ينبغي على كل أن يحذرها ويتنبه لخطرها ويقي نفسه وأبناءه ونساءه من شر هذه الوسائل المدمرة التي تقضي على كل دين، وعلى كل حياء، وعلى كل خلق موجود في ذواتنا وفي ذوات أبناءنا أو من نعول.

أما السبب الآخر من أسباب الخاتمة الحسنة: فهو الارتباط بالصالحين، فنصيحتي للآباء أن دعوا أبناءكم يرتبطون بالصالحين، وأنتم كذلك ارتبطوا بالصالحين، فإن الذين يرتبطون بالصالحين سيكونون معهم في الدنيا باستمرار وسيحشرون معهم في الآخرة.

أما السبب الآخر: فهو الكسب الحلال فلا بد على كل منا أن يحرص كل الحرص أن يكون كسبه حلالاً؛ لأن المطعم الخبيث إذا نما الجسد منه فإن الإنسان إذا رفع يديه إلى السماء وقال: يا رب! أحسن خاتمتي، يا رب! توفني مسلماً، يا رب! اجعلني مع الصالحين، فإن الدعاء سيرد عليه ولا يستجاب له؛ لأن مطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك! ولكن نجد البعض منا لا يلقي لهذا بالاً، فيضع أمواله في البنوك الربويه، ويساهم في دعمها ونموها، فإذا بها تفتح الفرع تلو الفرع، وما ذاك إلا لأننا وضعنا أموالنا لديهم، فهم يتاجرون فيها ويستغلونها، لكننا لو امتنعنا جميعاً عن أن نشارك في هذا الفرع الذي يوجد في حينه فإن هذا الفرع سيغلق أبوابه، ويجر أذيال الخيبة متجهاً إلى منطقة أخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>