للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ظهور التشيع]

النقطة الثانية في هذه المقدمات: متى بدأ التشيع؟ هذه القضية ذكرها علماء أهل السنة مفصلة، وذكرها علماء الشيعة مفصلة، ونحن في دراستنا هنا نريد أن نذكر الأقوال جميعاً، ثم نحاول أن نصل ونتلمس القول الصواب في هذا الجانب.

هناك عدة أقوال ربما تتجاوز العشرة في مسألة: متى بدأ التشيع، فأعرض منها هذه الأقوال بإيجاز.

القول الأول: أن التشيع بدأ مع ظهور آدم، أو بمعنى أخص قبل نزول آدم إلى الأرض، فآدم عليه السلام كما يقول الشيعة - هذا من باب تأصيل فكري وبيان أن هذا الفكر قديم قدم الإنسان، ولجذب الناس لهذا الفكر - يقولون: إن آدم عليه السلام عندما عصى الله سبحانه وتعالى نظر إلى العرش وإذا مكتوب عليه: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وأشهد أن علياً وصي الله.

إذاً: هذا دلالة على أن علياً هو الوصي قبل أن يخلق بآلاف السنين، وآدم عليه السلام عندما أراد من الله سبحانه وتعالى التوبة سأل الله بما كتب على العرش، وطلب منه أن يغفر له بفضل وبمكانة محمد وعلي عنده، ويقولون: إن هذا التشيع قد ظهر بظهور آدم.

وهذا من الأقوال التي سطروها في كتبهم؛ لرفع شأن التشيع بين الناس، وهذا من الكلام الباطل الذي ليس عليه دليل، والأدلة التي عندهم عبارة عن أكاذيب، وكما تعرفون جميعاً أن الشيعة من أكذب الناس، وكان العلماء الذين يؤلفون في الأمثال يستشهدون بمثل معروف ويقولون: أكذب من رافضي، وأكذب من أفعل التفضيل، يعني: أعلى شيء في هذا الجانب، فالرافضي من أكذب الناس في هذا الجانب.

القول الثاني: أن التشيع ظهر مع إبراهيم عليه السلام، ويستشهدون لذلك بقوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ} [الصافات:٨٣] فيقولون: أي: أن من شيعة علي لإبراهيم، فإبراهيم عليه السلام من شيعة علي بن أبي طالب.

وهذا قول باطل ومردود وفيه حماقة؛ لأن الآية لا تؤخذ لوحدها، بل تؤخذ بما قبلها، فقوله: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ} [الصافات:٨٣] أي: من شيعة نوح الذين ساروا على نهجه واقتفوا أثره في الإذعان لله سبحانه وتعالى إبراهيم عليه السلام.

فكيف يكون إبراهيم عليه السلام من شيعة علي بن أبي طالب وعلي لم يخلق بعد ولم يأت بعد، فكونهم يدخلون اسم علي هنا فيه حماقة بينة، وهذا مذكور في كتب التفسير بالنسبة لهم.

القول الثالث: أن التشيع ظهر، قبل البعثة، وذلك حينما أخذ العباس ومحمد صلى الله عليه وسلم بعض أبناء أبي طالب، فـ أبو طالب كما تعرفون عم الرسول صلى الله عليه وسلم وكان فقيراً، فاتفق العباس ومحمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام على أن يخففوا المئونة عن عمهم أبي طالب، فذهبوا إليه وقالوا: أعطنا بعض أبنائك نشرف عليهم ونربيهم وغير ذلك، فقال: اتركوا لي عقيلاً وخذوا ما شئتم، فأخذ العباس جعفر بن أبي طالب، وأخذ محمد بن عبد الله علي بن أبي طالب.

قالوا: من تلك اللحظة بدأ التشيع وظهر، فصار علي مشايعاً لمحمد ومحمد مشايعاً لـ علي، وكانا جسدين بروح واحدة، فالتشيع عندهم بدأ من هذه اللحظة، وهذا لا دليل عليه، وإنما هو من باب تقوية أقوالهم في مسألة قدم التشيع.

القول الرابع: أنه ظهر مع ظهور الإسلام، وذلك عندما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم، أي: منذ أنزل على المصطفى عليه الصلاة والسلام: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:١] ظهر التشيع.

يقول أحد علمائهم وهو محمد بن حسين كاشف الغطاء في كتابه (أصل الشيعة وأصولها) في صفحة (٨٧) من هذا الكتاب، يقول: إن أول من وضع بذرة التشيع في حقل الإسلام هو نفس صاحب الشريعة يعني: أن بذرة التشيع وضعت مع بذرة الإسلام جنباً إلى جنب وسواء بسواء، ولم يزل غارسها يتعاهدها بالسقي والعناية حتى نمت وازدهرت في حياته، ثم أثمرت بعد وفاته.

معنى هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بدينين اثنين وليس ديناً واحداً، فهو يدعو إلى دين الإسلام ويدعو إلى التشيع، يعني: أن بذرة الإسلام بذرة مستقلة وبذرة التشيع بذرة مستقلة، ومعنى هذا أن هناك اختلافاً بين هاتين البذرتين، وهذا هو قول أحد علماء الشيعة المتأخرين.

القول الخامس: أن التشيع ظهر بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك في سقيفة بني ساعدة عندما قام الصحابة بدراسة اختيار خليفة لهم بعد وفاة المصطفى عليه الصلاة والسلام، واتفقوا على أبي بكر، وكان علي بن أبي طالب منشغلاً بتغسيل الرسول عليه الصلاة والسلام وتجهيزه، فاختلف الصحابة قليلاً ثم اتفقوا على أبي بكر.

أما علي بن أبي طالب والعباس فكانا مشغولين بالقيام بشأن الرسول عليه الصلاة والسلام.

يقول الشيعة: إن الصحابة تآمروا واستغلوا فترة انشغال علي بن أبي طالب والعباس وآل البيت بتجهيز الرسول عليه الصلاة والسلام وأخذوا الخلافة غصباً منهما، وإلا لو كانا موجودين في السقيفة لما عدلوا بهما أحداً ولبايعوهما.

ويقولون: في تلك اللحظة عارض بعض الصحابة اختيار أبي بكر خليفة للرسول صلى الله عليه وسلم، وممن عارض سلمان الفارسي وعمار بن ياسر والمقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وغيرهم.

أقول: هذا كله كلام باطل ليس له أساس من الصحة، وإنما هو كلام مختلق، فإن الصحابة بأجمعهم قد أقروا بخلافة أبي بكر الصديق وبايعوه، وعلي بن أبي طالب كذلك بايعه معهم وأقر ببيعته وأذعن له وأطاعه.

لكن الشيعة اختلقوا هذه القصص لتأييد قولهم أن التشيع ظهر بعيد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقام علي بن أبي طالب بالاعتراض على خلافة أبي بكر، وألفوا في ذلك قصصاً طويلة جداً، وسطروها في كتاب أسموه (كتاب السقيفة) أو كتاب سليم بن قيس العامري، يعني: له مسميان اثنان: (كتاب السقيفة) أو كتاب سليم بن قيس العامري، وهذا الكتاب ذكروا فيه قصة السقيفة كاملة، وأن الصحابة دخلوا على علي بن أبي طالب ووضعوا أرجلهم على رقبته إلى أن أقر وبايع لـ أبي بكر، وأنهم ضربوا فاطمة ضرباً مبرحاً حتى أسقطت ما في بطنها من حمل؛ لأنها رفضت أن تبايع أبا بكر إلى أن بايعته، وغير ذلك من الشعوذات.

كما أن عمر بن الخطاب أحرق بيت فاطمة وأشعل فيه ناراً؛ لأنها رفضت أن تبايع أبا بكر.

وهم بهذا يريدون أن يضربوا عصفورين بحجر.

الأول: كسب تأييد الناس وعطفهم على آل البيت، ثم التمسك بمبدأ التشيع.

الثاني: تأصيل أن التشيع بدأ وظهر بعيد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.

القول السادس: أن التشيع ظهر في النصف الثاني من خلافة عثمان بن عفان، يعني: بعيد قدوم عبد الله بن سبأ اليهودي الصنعاني من اليمن، وذلك عندما أظهر الإسلام، ثم أظهر مسألة أنه من الدعاة إلى الإسلام، وركز على الجوانب الظاهرة من الإسلام وبخاصة الصلاة والمحافظة عليها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي آخر خلافة عثمان بدأ يكون له بؤراً وتجمعات إفسادية في الكوفة والبصرة ومصر وغيرها، وينشئ بين هذه التجمعات والبؤر والأحزاب بعضاً من فكره ظهر فيما بعد.

فيقولون: إن التشيع ظهر على يد عبد الله بن سبأ اليهودي الصنعاني.

القول السابع: أن التشيع ظهر بعد وقعة الجمل التي قامت بين علي بن أبي طالب وعائشة رضي الله تعالى عنها ومعها طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام.

وهذه المعركة حصدت خلال يوم واحد أكثر من عشرة آلاف قتيل مسلم، وهذا القول يؤيده أحد كتاب الشيعة وهو ابن النديم كما في كتابه (الفهرست) فيقول ابن النديم في صفحة (٢٤٩): لما خالف طلحة والزبير علياً رضي الله عنه وأبيا إلا الطلب بدم عثمان، وقصدهما علي عليه السلام ليقاتلهما حتى يفيئا إلى أمر الله، فمن سار مع علي ضد عائشة وطلحة والزبير سموا أنفسهم شيعة علي.

هذا القول ذكره ابن النديم في (الفهرست).

القول الثامن: أن التشيع ظهر يوم صفين، وهي المعركة القوية التي ذهب ضحيتها أكثر من سبعين ألف قتيل بين علي بن أبي طالب من جهة وبين معاوية بن أبي سفيان من جهة أخرى.

وظهرت بوادر التشيع عندما سمى الناس أتباع علي بشيعة علي، وسموا أتباع معاوية بشيعة معاوية، فأخذ لفظ التشيع أو ظهر اعتباراً من هذه المعركة.

وبعد هذه المعركة ظهرت فتنة الخوارج فتنة الحرورية الذين قاتلهم علي بن أبي طالب بمن معه من الأتباع، فانقسمت القوات إلى ثلاثة أقسام: قسم مع معاوية بن أبي سفيان وهم أهل الشام، وقسم مع علي بن أبي طالب وهم أهل العراق، وقسم يتسمون بالحرورية أو الخوارج الذين انشقوا عن جيش علي بن أبي طالب.

فمن هذا الوصف أخذ اسم التشيع يظهر ويبرز على الوجود.

وقد أيد هذا القول مجموعة كبيرة من العلماء من أبرزهم الإمام ابن حزم الظاهري، وكذلك إحسان إلهي ظهير أيد هذا الرأي وناصره، بالإضافة إلى بعض الكتاب مثل:

<<  <  ج: ص:  >  >>