للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وقفات مع بعض الأقوال في أول ظهور التشيع]

أقول: إن غالب هذه الأقوال ساقطة وباطلة ولا داعي لمناقشتها، وخاصة الذين يقولون: إن التشيع ظهر مع آدم، أو مع إبراهيم، أو قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، أو مع بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن هناك وقفات مع الذين قالوا: إن التشيع ظهر بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، أقول: إن هؤلاء لم يفرقوا بين محبة الصحابة لآل البيت الذين كانوا يرون في علي بن أبي طالب الأهلية التامة لأن يتولى الخلافة، ولكنهم في نفس الوقت يفضلون أبا بكر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي عينه ونص عليه بطريقة أو بأخرى كما في النصوص التي من ضمنها: (أن امرأة جاءت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقالت: إن عندي كذا وكذا فمتى آتيك؟ قال: في وقت كذا؟ قالت: فإن لم أجدك؟ قال: ائتي إلى أبا بكر).

فدل ذلك على أن أبا بكر هو الذي يلي الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكن هؤلاء الصحابة وجدوا أن علياً مؤهل للخلافة، لأنه من آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم قد قال لنا: (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)، وقال له كذلك: (ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى) يعني: أن منزلتك من الرسول صلى الله عليه وسلم كمنزلة هارون من موسى، وكان بينهما أخوة، وكذلك النصوص الكثيرة التي كانت ترفع من شأن علي بن أبي طالب.

فكان هؤلاء الصحابة يحبون علي بن أبي طالب، لكن لم يصل هذا الحب إلى درجة أنهم يفضلونه على أبي بكر أو عمر لا.

فاستغل الشيعة هذا الجانب وقالوا: إن هؤلاء الصحابة هم الذين بدءوا التشيع، وهذا القول متناف.

أما الذين قالوا: إنه بعد معركة الجمل فهذا ساقط؛ لأن الناس في معركة الجمل بدءوا يسمون شيعة علي تمييزاً لهم عن شيعة معاوية، ولا خلاف بين شيعة معاوية وشيعة علي إلا في مسألة واحدة: من هو الأولى بالإمامة هل هو علي بن أبي طالب أو معاوية؟ أما في الفقه وأصول الاعتقاد والمنهج والفروع فهم متفقون تماماً، بل أن بعض الصحابة كانوا مع معاوية بن أبي سفيان كما أن كثيراً من الصحابة مع علي بن أبي طالب، فيكون هذا القول قولاً متهافتاً.

والقول الذي تميل إليه النفس أن الشيعة المعتدلين ظهروا بعد معركة صفين وبعد مقتل علي بن أبي طالب وذلك حينما أحسوا أنهم فرطوا في نصرته، وبدءوا يزيدون في محبته شيئاً فشيئاً.

وهؤلاء يسموا بالمعتدلين وانتهى المعتدلون، وليس في شيعة اليوم أناس يسمون بالمعتدلين.

أما الغلاة فظهروا في أواخر خلافة عثمان وأوائل خلافة علي بن أبي طالب على يد عبد الله بن سبأ، وهم الذين ادعوا أن علي بن أبي طالب فيه ألوهية، وقام علي بن أبي طالب بإحراقهم، وقد ذكرت لكم ذلك في درس سابق عندما أعلنوا جميعاً أن علي بن أبي طالب هو إلههم وكانوا يصرحون بذلك بين الناس ويدعون إلى هذا المنهج، حتى إن علي بن أبي طالب أخذهم واستتابهم فأصروا على كفرهم، فحفر أخاديد ووضع فيها حطباً وأشعل فيها النار ثم أمر بهم فأحرقوا، وقد قال: ولما رأيت الأمر أمراً منكرا أججت ناري ودعوت قنبرا فأحرقهم داخل هذه الحفر، وهذا يدل على أن هؤلاء كانوا غلاة، وعندما رأى أتباعهم أنهم سيحرقون ويقتلون أحجموا عن إظهار مذهب الغلو.

والشيعة أخذوا بمنهج الغلو وجعلوه دينهم إلى زماننا هذا.

أما بداية تأصيل الفكر الشيعي ليأخذ منهجاً مستقلاً عن أهل السنة فقد بدأ بعد معركة كربلاء، عندما صار الشيعة يحسون بالحسرة والألم لعدم نصرتهم للحسين، فبدءوا يفكرون في الانتقام من بني أمية، لكنهم سلكوا طريق الانحراف عن المنهج، حين خالفوا الأمويين حتى في مجال الدين، واستغل بعض المجوس واليهود هذا الجانب المنحرف في هؤلاء ودخلوا معهم في التشيع، ثم بدءوا يعطونهم جرعات تدريجية من الانحراف، حتى انحرفوا كلياً عن شرع الله سبحانه وتعالى.

أما بعد معركة زيد وهشام بن عبد الملك سنة (١٢٢) للهجرة فيسميها بعض العلماء مرحلة انقسام الشيعة إلى قسمين، ولكن الشيعة كما هو معروف الآن تتجاوز فرقهم أربعمائة فرقة، ذكر المقريزي أنه عد من الشيعة أكثر من ثلاثمائة وثلاثين فرقة، وربما يتجاوزون ذلك بكثير، وبداية الانقسام من لحظة مخالفة زيد لرأي الأكثرية الذين طلبوا منه التبرؤ من أبي بكر وعمر، فهؤلاء انحرفوا عنه وتركوه فسموا رافضة.

أما الذين بقوا معه وساروا على منهجه فسموا زيدية، فالزيدية هؤلاء هم الذين ناصروا زيداً وساروا معه وقتلوا معه، وتبنى فكر الزيدية ابنه يحيى بن زيد الذي هرب من المعركة واتجه إلى مناطق بعيدة عن منطقة الأمويين، وبدأ ينشر المذهب الزيدي في مناطق بعيدة قريباً من أفغانستان الآن، ثم بعد ذلك انتشر المذهب الزيدي في مناطق عديدة من أبرزها اليمن.

<<  <  ج: ص:  >  >>