للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مصدر الصوفية في التلقي]

الصوفية يأخذون كتاب الله للزينة، وعلى أنه كتاب أنزل من عند الله سبحانه وتعالى لعصر من العصور ثم انتهى، أما في هذا الزمن فلا.

ولذلك لا تكاد تجد صوفياً يقبل على كتاب الله، بل ربما جميعهم يعكفون على الأذكار، فلو راقبتهم في الحرمين، وفي دول أخرى لوجدت معهم كتب أذكار فقط، أما القرآن لا يقرءونه؛ لأن هذه الأذكار قد وردت عن مشائخهم الأكابر.

إذاً: مصدرهم في التلقي ليس القرآن وإن ادعوا ذلك، بل مصدرهم في التلقي المشائخ الأكابر: حزب الإمام الشاذلي، حزب عبد القادر الجيلاني، حزب فلان بن فلان، من قال: كذا وكذا في اليوم أربعة آلاف وأربعمائة وأربعة وأربعين مرة دخل الجنة على ما كان من العمل، ومن قال: كذا وكذا ألف مرة دخل الجنة، ويأتون بأساليب مختلفة تأخذ على الإنسان جل وقته، فمنهجهم الأول في التلقي ليس القرآن الكريم وإن ادعوا ذلك، إنما منهجهم في التلقي هي الأذكار التي حلت محل القرآن الكريم، فلا يخلو لسان أحدهم ولا بيت أحدهم من كتاب أذكار يقرؤه ليل نهار.

المصدر الثاني للصوفية -لأصحاب المنهج الذوقي- السنة النبوية، لكن ليست من صحيح البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرها، بل السنة النبوية التي تؤيد فكرهم ومذهبهم، فهم يريدون تأييد مذهبهم عن طريق مشائخهم، فيأتي الشيخ مثلاً يحدث أتباعه ويأمره ألا يأخذ إلا منه، وألا يرجع إلى أي كتاب أو مخطوط أو قول أو شخص آخر، كما قيل: كن بين يدي شيخك، كالميت بين يدي غاسله.

ومن قال لشيخه: لم؟ فقد ضل عن الطريق، وهكذا يؤصلون العبودية المطلقة للشيخ.

فالشيخ يريد أن يقربهم من أن الأحاديث مصدر من مصادر التلقي، ولكنه يأتي بالأحاديث التي تناسب، مثلاً الحديث الموضوع: (من أحسن ظنه بحجر نفعه هذا الحجر)، إذاً: هذا دليل على اتخاذ الأضرحة، وهو دليل شرعي تستطيع أن تناقش به، كذلك: (من حج ولم يزرني فقد جفاني)، إذاً: هذا يوافق الضريح والحج، وللضريح أساس شرعي، وهكذا يأتون بالأحاديث الموضوعة المتتابعة لتأصيل هذا المنهج الذي يدنون به.

إذاً: الأذكار المطبوعة أو المكتوبة هي المصدر الأول، والسنة المنتقاة التي تؤيد مناهجهم وأفكارهم هي المصدر الثاني، والثالث: حكايات وكرامات الأولياء والمقبورين.

فتجدهم يطوفون على القبر ويتجمعون عنده، ويدعونه ويستشفون به، ثم يؤصلون في ذلك الكرامات المتتابعة.

وهكذا ألف الشعراني طبقات الأولياء، وألف النبهاني كرامات الأولياء في مجلدين ضخمين جداً، يذكر فيهما مجموعة ضخمة من الكرامات.

يقول أحدهم: أعطاني شيخي من قبره -لاحظ أعطاه وهو في قبره- كحلاً، إذا اكتحلت به فتح لي ما بين العرش إلى الفرش.

فيحاولون أن يؤصلوا هذه الكرامات حتى يرتبط الناس بأصحاب القبور، ويقدسونهم تقديساً كاملاً، ويأخذون دينهم من أصحاب هؤلاء القبور.

المصدر الرابع في التلقي: نشر مسائل المنامات، ينشرون الرؤيا بين أتباعهم على أنها معتقد يدينون به.

<<  <  ج: ص:  >  >>