للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مصادر أهل السنة والجماعة في التلقي]

هل نقول: إن مصادرنا في التلقي هم فلان وفلان وفلان من الناس، فما قاله فلان أخذناه، وما رده رددناه؟ لا.

إن مصدرنا الأول في التلقي: هو القرآن، فإذا قرأت آية في كتاب الله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١]، علمت أن الله سبحانه وتعالى لا يشابه أحداً من خلقه، وإذا عرفت أنه: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١]، أقررت وآمنت أن الله سبحانه وتعالى يسمع ويبصر، لكن ليس كسمع البشر وليس كأبصارهم.

وإذا قرأت قول الله تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} [المائدة:١١٩]، عرفت أن الله يرضى ويغضب.

وإذا قرأت قول الله تعالى: {بِيَدَيَّ} [ص:٧٥]، أثبت لله اليد.

وإذا قرأت: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١]، أي: ليس له شبيه.

إذاً: مصدرنا في التلقي هو القرآن الكريم، فهذا هو المصدر الذي نتلقى منه عقائدنا في الله وفي الملائكة وفي النبيين والكتب وفي اليوم الآخر وفي القدر، كل ذلك نتلقاه من كتاب الله سبحانه وتعالى ونؤمن به، ونقر أمام الآخرين أجمعين أن كتاب الله لا ولن يتعرض إلى تحريف أو تغيير أو تبديل؛ لأن الله أوكل حفظ القرآن الكريم لنفسه.

قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩].

بخلاف مناهج الكتب الأخر التي أوكل الله سبحانه وتعالى حفظها لأصحابها، كالتوراة والإنجيل، فخانوا الأمانة وما رعوها فحرفوها وغيروها.

المصدر الثاني من مصدر التلقي عند أهل السنة: السنة النبوية الصحيحة، فإذا ثبت أمر في السنة ثبت، وليس حديثاً موضوعاً أو ضعيفاً أو منكراً أو باطلاً، أو فيه كذا وكذا من الأمور القادحة، فإن هذا يعد أمراً واجب التسليم، وواجب الأخذ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم بين لك أموراً في العقيدة كثيرةً جداً لم ترد في القرآن، فأنت تأخذ بها وتؤمن بها وتقر على أنها منهج شرعي، وإذا خالفته أو عارضته فإن ذلك يعد معارضة لدين الله.

إذاً: نحن لم نرتبط بأشخاص مثلنا مثلهم، إنما ارتبطنا بكتاب الله سبحانه وتعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

وارتبطنا بالسنة بما ثبت لدينا ثبوتاً قطعياً من السنة على أنه صحيح، وجعلناه هو المصدر لنا نأخذ منه العقيدة ونستقي منه المنهج.

إذاً: من خلال هذه المقارنة ينقسم الناس إلى قسمين: القسم الأول: أهل السنة والجماعة، ويرجعون في تلقيهم العقيدة إلى القرآن، وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.

والقسم الآخر: بشتى أصنافه وفرقه ودياناته، يأخذون من غير القرآن والسنة، بل ويأخذون من رجال، وهؤلاء الرجال هم الذين يقررون لهم أحكامهم.

حتى العقلانيين الذين يحكمون العقل يحكمون أنفسهم، أي: أنهم يحكمون الرجال في مناهجهم، ولذلك فإن العقلانيين لا يمكن أن يتفقوا على رأي.

ذكر أن المعتزلة اجتمع من زعمائهم أكثر من تسعة عشر زعيماً للاتفاق على توحيد المنهج المعتزلي، ومراجعة الأخطار التي يتعرض لها هذا المنهج، فخرج هؤلاء التسعة عشر بعشرين رأياً يعني: دخلوا بتسعة عشرة رأياً كي يخرجوا برأي واحد، فخرجوا بعشرين رأياً أي: زاد رأي إضافي.

وفي رواية أخرى للشرساني: أنهم دخلوا تسعة عشر، للاتفاق والاتحاد، وخرج كل منهم يكفر الآخر، وهذا يدلك على أن كلاً منهم يحكم عقله، والعقل يختلف من شخص لآخر، وبالتالي فكل منهم يعد رجلاً بحد ذاته يحكم كيفما يشاء، ويقرر كيفما يشاء.

هذا والله سبحانه وتعالى الموفق والهادي إلى سواء السبيل، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>