للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[السبب الثاني من الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة زيارة المقابر وتشييع الموتى وغسلهم]

السبب الذي يليه: زيارة المقابر وتغسيل الموتى وتشييع الجنائز، فقضية تغسيل الموتى وتشييعهم مع زيارة المقابر قضية مترابطة، فلابد أن تذهب إلى المقبرة، وتجلس فيها لتتفكر وتنظر من يأتي ومن يخرج، وتتفكر في موقف هؤلاء، فمثلاً تقول: كان هذا الرجل وزيراً يقود وزارة كاملة فيها آلاف الموظفين، وأمره مطاع ونهيه مطاع، ومع ذلك لا قيمة له في هذه الحالة.

وهذه ضابط كبير قائد معسكر كبير ومع ذلك انتهى كل ذلك فلا قيمة له؛ لأن القيمة في العمل، فإن كان قدم خيراً فهو الذي سيجد، وإن كان غير ذلك فلا حول ولا قوة إلا بالله، وقد يكون تغسيل الموتى له دور في ذلك، بل وقد ترى موقفاً من مواقف حسن الختام أو من مواقف سوء الختام وأنت جالس، بل وربما تجلس بجانب رجل يحتضر، وربما يكون لهذا الاحتضار دور في إنماء الإيمان وتقويته في قلبك، بعد أن أوشك على الموت والاندثار.

كنت بجانب الوالد في المستشفى المركزي، وكان مصاباً بكسر في حوضه، وكان في الغرفة المجاورة لنا رجل كان يبدو عليه لا أقول سماع خير، إنما سماع شر، وفي ليلة من الليالي وفي آخر الليل بدأ هذا الرجل يصرخ، ذهب إليه الأطباء ولم أكن موجوداً، لكن حدثني أحد المرافقين الذي كان في مرافقة الوالد، قال: إنه عندما بدأ هذا الرجل يحتضر كان أحد الأطباء الصالحين الطيبين معه الأكسجين، وكان يحاول أن ينقذ حياته، فعندما وجد أن لا فائدة ولا نتيجة، بدأ يلقنه الشهادة، فكان يقول وللأسف الشديد بصوت عالٍ: هل رأى الحب سكارى مثلنا، كان يصرخ بكل قوة وبكل شدة، يقول هذا المرافق ومعه مجموعة: والله لقد ارتسمت الصورة في أذهاننا، ولن تزول أبداً صورة هذا الرجل.

إذاً: جلوسهم بجانبه أعطاهم دفعة إيمانية قوية ارتسمت في قلوبهم، ولن تزول ولن تضيع بمشيئة الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>