للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرأسمالية، ومادية الكادحين الفقراء (البروليتاريا) التي تجلت في الشيوعية.

وأما العالم الآخر (البلاد الإسلامية) فقد رحلت عنه المدنية بعد أن تركته هيكلاً فارغاً تجلى عليه الجمود في مرافقه كلها، وركدت تلك النفحة الإيمانية، واستبدل بها ألفاظاً جامدة جوفاء، حتى غدا هذا العالم كما وصفه المؤلف قابلاً للاستعمار قبل أن يُستعمر.

ويستثير الأستاذ مالك هنا تفكيرنا وحماستنا في آن واحد، ويتنبأ بحل جديد لهذه العقدة، ويبشرنا برحلة جديدة بدت طلائعها في انهيار الحضارة الغربية؛ حضارة الاستعمار والمادية، وفي استيقاظ العالم الإسلامي وفقاً لنظريته التي بسطها في أول كتابه في (دورات المدنية وانتقالها)، ويقف بنا أمام تحليل رائع لواقعنا ولحركاتنا الحديثة في التجديد والتقليد والإصلاح، كاشفاً عن سطحية بعض هذه الحركات والمظاهر التجددية، مشيراً إلى نواحي الأصالة والعمق في حركات الإصلاح والثورات الحقيقية من جهة أخرى.

ويرى كاتبنا الفيلسوف أن هذا العالم الإسلامي هو الذي يحقق الظروف النفسية لظهور (الإنسان الجديد)، وأن رسالته في هذا العصر التوفيق بين العلم والضمير، بين الأخلاق والصناعة، بين الطبيعة وما وراء الطبيعة، وأنه في منتصف الطريق إلى هذه الغاية، وأنه وإن كان يجب عليه بلوغ مستوى المدنية الحالية المادي، باستخدام مؤهلاته كلها على اعتياد النظام، في العهد الذري الذي يسيطر عليه الفكر الصناعي العلمي سيطرة شديدة؛ غير أن مهمته تظل روحية تقوم على التخفيف من حدة الفكر المادي والأنانية القومية.

غير أنه يعتقد أن مركز الثقل في هذا العالم سينتقل من البحر المتوسط إلى آسيا، وأنه يتجه اليوم نحو جاكرتا مستفيداً من تلك النفحة الصوفية التي لا تزال سارية في العالم البوذي والهندوسي، الذي يتصل به العالم الإسلامي في آسيا ويجاوره.

<<  <   >  >>