للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

جميعاً، في الإنتاج وفي عمليات الدفع والشراء، بل في عملية الأكل أيضاً، فالحياة تجري على سنن (الكم) وحده.

لقد أصبح (الرقم) سلطاناً في المجتمع الفني الآلي الذي قام بأوربا منذ عام ١٩٠٠، وصار الإحصاء لا معقب لحكمه، فليس للفطرة الإنسانية، أعني الضمير الإنساني ذاته، دخل في الحياة الجديدة، شأنه في ذلك شأن ما لا يدخل في عداد الأرقام، ولا يقاس بالكمات، وبذلك أصبحت حياة الإنسان مجرد وظيفة تكم الأرقام، فالآلات هي التي تحرر وتحسب، تسخر الإنسان للانخراط في حركة أجهزتها.

إن قانون (لاسال) الذي أطلق عليه (القانون الفولاذي) قد أصبح المتحكم في مصير الإنسان، والخالق للحمه وأعصابه، حتى جعل منه آلة عاقلة. بل إن (الحاجة) التي تعد من ألصق الأمور بالإنسانية، حتى هذه تجردت الآن من إنسانيتها، فتحولت ضرباً من ضروب التجارة، فما يتصورها أحد هنالك أو يقرها إلا حيث تكون مربحة.

أما الحاجات الإنسانية العامة، وخاصة حاجات الأرملة واليتيم والشيوخ والمرضى فهي ليست مربحة، لأن الآلات لا تعرف الحساب الأخلاقي أو التقديرات الميتافيزيقية.

ألا ما أعجب منطق الآلة: تدور المعامل، وتقدم إليها المستعمرات المادة الأولية واليد العاملة بثمن بخس، ثم تنتج المصانع ويقبل على شراء إنتاجها المستهلكون الذين يقدرون على الدفع، فتحسب الحاسبات قوائم الأسعار وترصد الأرباح والأجور وساعات العمل.

ولا شك أن هذه الآلية عجيبة رائعة، شريطة ألا تندس حبة من الرمل بين أجهزة المحرك؛ لكن هذا لم يكن إلا وهماً، فمنذ عام ١٩١٤ والآلة الحديثة تعاني

<<  <   >  >>