للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يضيء، وفي ضوء ما أشعلت من نار أشاعت وهجها في المستعمرات حتى جارت على أرضها هي؛ أوربا هذه رأينا الفوضى تنتشر فيها، الفوضى نفسها التي أشاعتها في بقية أجزاء الأرض، والضلال نفسه. بل إنها قد تجرعت الكأس المحتومة نفسها؛ كأس الاستسلام لقوى الشر الأسطورية، نعم .. الأسطورية؛ فعلى الرغم من أن أوربا قد دانت لمناهج ديكارتية علمية محض، وعلى الرغم من أن الصناعة قد سادتها حتى بلغت في تنظيمها الصناعي أقصى مداه بنظرية (تايلور)، فإن لها أيضاً أساطيرها وخرافاتها، وهي أساطير ذات أثر (كاف)، ولكن بصورة غير التي عهدناها في أساطير مجتمع ما بعد الموحدين.

فإذا كان الشلل في بلاد الإسلام بليداً خامداً لا حس له، فإن الشلل الأوربي على العكس من ذلك شلل ذو رعشة وضجيج، بل إن الأساطير الأوربية خطيرة إلى أبعد غاية، لأنها تتصرف في قوة الآلة وقوة المادة، وما دام الأمر هكذا فيوشك أن تهدم كل شيء بطريقة علمية، فتنسف بقنابلها الذرية البلاد والعباد.

والعجيب أن أساطير أوربا أساطير علمية، لها مجامعها وفقهاؤها وشعراؤها. فقبل الحرب العالمية الأولى بقليل، كان أحد الضباط الشبان واسمه (أرنست بسيكاري) يعمل في منطقة موريتانيا، فأثار حماسته ما رأى عليه مسلمي هذه البلاد من بساطة وعمق في إيمانهم، فكأنما ساقته العناية إلى هنالك لتبعث في خاطره روحاً من التأمل والرجوع إلى النفس، كان من نتيجته تغير كامل في حياته، وهداية إلى الطريق الذي أدى به إلى الكنيسة (عصبة أسلافه) كما قال، وهو أمر طبيعي، ولكن شريطة ألا يتنكر المرء لمن هداه إلى سواء الصراط!!!

أما الذي حدث منه فقد كان على العكس من ذلك، ففي أثناء رحلة قام بها إلى موريتانيا فيما بعد، جلس مع شاب مسلم من أبناء البلاد، اتخذه رائداً،

<<  <   >  >>