للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فأخذ يتمدح أمامه بالقوة المادية التي تتميز بها الحضارة الحديثة، فعقب الشاب البدوي على كلامه قائلاً:

((لكم الأرض، ولنا السماء)).

كم كان من اللائق أن يبسم لبراءة محدثه، ولكنه كتب بعد ذلك يقول في (مفكرته) هذا التعجب الدال على مكنون نفسه:

- آه!! تلك كلمة لا يحق للمسلمين أن يتلفظوها.

من أين انبعثت هذه الصرخة الشاذة الصادرة عن رجل لم يعد إلى حظيرة الدين إلا منذ عهد قريب .. ؟ إليك السبب: لقد كان بسيكاري ابن أخت (رينان) الفيلسوف المشهور بعداوته للإسلام، فتفكيره هذا يتفق بصورة مذهلة مع تفكير خاله، (وقد كان ابن الأخت يرفض هذا التفكير بسبب ما فيه من إلحاد)، فقد كتب رينان عقب حرب عام ١٨٧١ هذه السطور، وهي شاهد من وجه آخر على العنصرية المتأصلة في فطرتهم، وعلى النزوع إلى احتقار الإنسانية قال: .. ((جنس واحد يلد السادة والأبطال، هو الجنس الأوربي، فإذا ما نزلت بهذا الجنس النبيل إلى مستوى الحظائر التي يعمل فيها الزنوج والصينيون فإنه يثور، فكل ثائر في بلادنا هو بطل لم يتح له ما خلق له، وهو إنسان ينشد حياة البطولة، فإذا هو مكلف بأعمال لا تتفق وخصائص جنسه. إن الحياة التي يتمرد عليها عمالنا يسعد بها صيني أو فلاح أو كائن لم يخلق لحياة الحرب، فليقم كل امرئ بما خلق له، لتسير الحياة على ما يرام)).

فهذا العالم الكبير قد خلّى- ولا شك- بين قلمه وبين الضلال أكثر من مرة، بغض النظر عما تحتويه هذه الأسطر من ضعف فكري، فهو يكشف لنا ضمناً عن (الأسطورة العظمى) التي فاقت سائر الأساطير في أوربا منذ قرن، فالخال وابن أخته يكرعان من نبع واحد هو امتياز (جنس السادة)، وهو نبع

<<  <   >  >>