للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وطبيعي أن يحدث هذا في مجتمع منظم، بلغ فيه تقسيم العمل مداه، ولكن اختلاط العمل بالأجر قد يكون مضراً في مجتمع لمّا يتخط مرحلة التنظيم، إذ تنتج عنه موجة من الكسل والتفريط، تصيب الذي لا يجد من يشتري ساعات عمله، ينشأ عنها في المجال الاجتماعي (البطالة)، كما ينشأ عنها في المجال النفسي عبودية أخلاقية تأخذ صورة (ذهان الاستحالة)، وذلك عندما يبلغ الفرد درجة، لا يتصور معها لنفسه قدرة على العمل أو التزاماً به، إلا تصور معها مستَغلاً يُدفع له أجره عن ساعات عمله.

ولا شك أن قيام هؤلاء الشباب برد المغزى الحق لفكرة العمل يقتضي شروطاً اجتماعية أخرى، ومن المحتمل أن تتحقق هذه الشروط شيئاً فشيئاً، كما قد تحققت على عهدالنبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته، حين كانوا يؤسسون أول مسجد في الإسلام.

وهذه البوادر التي تتفجر اليوم هنا وهناك في صورة محاولات خاصة لن تبقى حالات مفردة، بل إنها ستقدم للشعب كلما تقدمت الأيام منوالاً ينسج عليه ضروب نشاطه الجماعي، فهذه البوادر تضم التيار الخفي العميق للنهضة، والزمان كفيل بتوسيع نطاقها كلما اتسع نطاق هذه النهضة.

وكان من نتائج قضية فلسطين أيضاً أن تطرقت هذه الفكرة إلى مجال الاهتمام الرسمي، يشهد بذلك تجربة الإصلاح الزراعي في سورية، فللمرة الأولى في العالم الإسلامي الحديث تواجه مشكلة الإنسان والتراب والوقت، وينص عليها في دستور قومي، وقد كان في حسبان هذه التجربة أن تعمل على تحضير البدوي المترحل، وأن تجهد في تكييف التراب في ضوء الحالة العامة للشعب، فالمشكلتان في الواقع مرتبطتان، إذ أنه لا يمكن للبدوي أن يستقر ما لم يربط مصيره بالتراب، ومن أجل هذا نص الدستور السوري على تخصيص ملايين

<<  <   >  >>