للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لقد تناولنا في دراسة سابقة هذا الموضوع من جانب الفرد، كيما نستخرج الشروط التي ينبغي عليه أن يسهم بها في نمو حضارة يعد هو فيها العامل الحاسم. ونحن هنا نتناول الناحيتين الأخريين، لكي ندرس التطور الحديث في العالم الإسلامي، آخذين بعين الاعتبار علاقات هذا التطور القائمة أو الممكنة مع الحركة العامة في التاريخ الإنساني.

وإنه لمما يشق علينا أن نعرف جذور هذه الحركة في المكان والزمان، وليس يفيدنا في شيء أن نتساءل هنا عما إذا كانت قد بدأت في مصر أو في غيرها، كل ما نقوم به هو أن نلاحظ استمرارها عبر الأجيال، فإذا ما أردنا أن نحدد أبعادها (التاريخية) وجدناها تشير إلى رقعة غير ثابتة، حتى إن ما نلاحظه من الاستمرار في حركة التاريخ العامة، قد يختفي وراء (انفصال) يظهر عندما ننظر إلى تعاقب مجالي الحضارة.

والواقع أن لنا هنا جانبين جوهريين: الجانب الميتافيزيقي أو الكوني، وهو جانب ذو هدف عام وذو غاية. والجانب (التاريخي) الاجتماعي، وهو جانب مرتبط بسلسلة من الأسباب.

والحضارة من هذا الجانب الأخير تتمثل أمامنا كأنها مجموعة عددية تتتابع في وحدات متشابهة، ولكنها غير متماثلة. وهكذا تتجلى لأفهامنا حقيقة جوهرية في التاريخ هي: (دورة الحضارة)، وكل دورة محددة بشروط نفسية زمنية خاصة بمجتمع معين، فهي (حضارة بهذه الشروط). ثم إنها تهاجر وتنتقل بقيمها إلى بقعة أخرى، وهكذا تستمر في هجرة لا نهاية لها، تستحيل خلالها شيئاً آخر، لتعد كل استحالة تركيباً خاصاً للإنسان والتراب والوقت.

ولقد يحدث أن يقوم بعض الكتاب ببتر المفهوم التاريخي، كما فعل (توسيديد) حين أبطل ماضي الإنسانية كله بقوله: ((إن حدثاً مهماً لم يقع في

<<  <   >  >>