للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أما التيار الأول: فيبدو أنه قد خط طريقه في الضمير المسلم منذ عصر ابن تيمية، كما يخط تيار الماء مجراه في باطن الأرض، ثم ينبجس هنا وهناك من آن لآخر، وابن تيمية لم يكن (عالماً) كسائر الشيوخ، ولا متصوفاً كالغزالي، ولكن كان مجاهداً يدعو إلى التجديد الروحي والاجتماعي في العالم الإسلامي. هذا التيار هو الذي أدى إلى تكوين إمبراطورية الموحدين القوية في إفريقية الشمالية على يد (ابن تومرت)، وهو الذي أدى إلى إنشاء دولة الوهابيين في الشرق على يد (محمد بن عبد الوهاب)، ثم اكتسحها محمد علي بإيعاز من الباب العالي، وتأييد من الدول الغربية عام ١٨٢٠، ومع ذلك فقد بقي روح الوهابية حياً، حتى تمكن القائمون بها من الظهور مرة أخرى عام ١٩٢٥ في صورة المملكة الوهابية الحديثة.

بيد أننا نلاحظ هنا أن هذه الحركة قد وجدت منذ سقوط الدولة الوهابية الأولى، أي منذ قرن تقريباً، الضمير الذي يعكسها لدى العالم الإسلامي الحديث، ضمير (جمال الدين الأفغاني)، الذي فرّ في شعف الجبال هرباً من طابع المهانة الذي كان يلصقه مجتمع ما بعد الموحدين بالفرد، ليجعل منه ضحية أو متملقاً.

لقد كان جمال الدين- إلى جانب أنه رجل (فطرة) - رجلاً ذا ثقافة فريدة عُدَّت فاتحة عهد (رجل الثقافة والعلم) في العالم الإسلامي الحديث، ولعل هذه الثقافة هي التي دفعت الشبيبة المثقفة على إثره في اسطنبول وفي القاهرة وفي طهران، وهي الشبيبة التي سيكون من بينها قادة حركة الإصلاح.

لقد حاول المستشرق (جب) أن يشكك في مواهب هذا الرجل العقلية،


= ولا جمود، وأن يعنى فيها بحياة الطلبة الاجتماعية، وأن يعنى نظام الكلية بترقية العقل وترقية البدن، أي بالتربية والتعليم معاً. وقد كان المبدأ الذي سارت عليه هو: الإقبال على العلم والبعد عن السياسة، وإن كانت قد تعرضت من أجل هذا لنقد شديد. ((المترجم))

<<  <   >  >>