للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

من الزمان، عندما نشر أحد أساتذتها إحدى النظريات الخطيرة (١)، هل يمكن لأحد أن يثبت في هذه الحالة أن موقف خصوم تلك النظرية- وخاصة السيد رشيد رضا- كان سلبياً سلبية لم يكن معها تأثير معدِّل لاتجاه الثقافة المصرية فيما بعد؟ ..

إن إثباتاً كهذا سيكون عرضة للتكذيب، حتى من جانب ما كتبه الدكتور طه حسين فيما بعد. وأية كانت وجهة الأمر فإن دور (جمال الدين) لم يكن دور مفكر يتعمق المشكلات لينضج حلولها، فإن مزاجه الحاد لم يكن ليسمح له بذلك، لقد كان قبل كل شيء مجاهداً، ولم تكن ثقافته النادرة سوى وسيلة جدلية، مهما هبطت أحياناً إلى مستوى الجماهير، فأصبحت وسيلة نشاط ثوري.

لقد كان لهذا النشاط أهمية نفسية وأدبية أكثر من أن تكون له أهمية سياسية في العصر الذي كان يعيش فيه، حين كان العالم الإسلامي غارقاً في خمود شامل، وكان من فائدة هذا النشاط أنه فجر المأساة الإسلامية في الضمير المسلم ذاته. ولكن يبدو أن استيقاظ هذا الضمير بما احتوى من مأساة، لم يكن جزءاً من خطة منهجية وضعها جمال الدين، فإن كتاباته القليلة التي تميزت بالجدل ضد الطبيعيين، أو ضد (أرنست رينان)، لا تثبت شيئاً من هذا. بيد أنه إذا لم يكن جمال الدين قائداً أو فيلسوفاً للحركة الإصلاحية الحديثة، فلقد كان رائدها، حين حمل ما حمل من القلق، ونقله معه أينما حل، وهو القلق الذي ندين له بتلك الجهود المتواضعة في سبيل النهضة الراهنة، وكان رائدها أيضاً حين جهد في سبيل إعادة التنظيم السياسي للعالم الإسلامي، وإن كان قد قصد بذلك التنظيم: تنظيم جموع الشعب وإصلاح القوانين، دون أن يقصد إلى إصلاح الإنسان الذي صاغه عصر ما بعد الموحدين.

لقد أدرك جمال الدين بصادق فطنته، ما أصاب مجتمعه من عفونة وفساد،


(١) نظرية الدكتور طه حسين (في الشعر الجاهلي) ١٩٢٦.

<<  <   >  >>