للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

السياسية والاجتماعية التي نادى بها جمال الدين، الأمر الذي كان يؤدي حتماً إلى طريق أفضل من مجرد إصلاح مبادئ العقيدة، فموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، لم يكونوا علماء كلام، ينطقون أفكاراً مجردة، ولكنهم في الحق كانوا مجمعين لتلك الطاقة الأخلاقية، التي أوصلوها إلى نفوس فطرية.

وعلم الكلام يمجد الجدال وتبادل الآراء، وهو في الوقت ذاته يشوه المشكلة الإسلامية ويفسد طبيعتها، حين يغير المبدأ (السلفي) في عقول المصلحين أنفسهم. هذه المناقضة اللاشعورية تضع في مكان (المشكلة النفسية) في النهضة (مشكلة كلامية)، فعلم الكلام لا يواجه مشكلة (الوظيفة الاجتماعية) للدين؛ لأن المؤمن لا يفيد شيئاً من مدرسة تعلمه مسألة وجود الله فحسب، دون أن تلقنه مبادئ الرجوع للسلف.

وينبغي أن نضيف إلى الأسباب التي أحصيناها، ما أطلق عليه (جب) عقدة (التسامي)، حتى نفسر تفسيراً كاملاً أسباب انحراف الحركة الإصلاحية. وجدت هذه العقدة في الثقافة الأوربية على عهد (توماس الإكويني)، فاتخذت صورة تنحية كل ما من شأنه أن يدل على وجود تأثير إسلامي، واليوم تحدث الظاهرة نفسها في الثقافة الإسلامية التقليدية، في صورة مقاومة لضغط الأفكار الغربية، فعمل الشيخ عبده في ميدان العقيدة كان في أقصاه (نزعة إلى المديح) اقتضاها هذا (التسامي).

إن تلخيصنا هذا النقد، يوشك ألا يطلعنا إلا على نقائص حركة الإصلاح، وربما فقدت بذلك في نظرنا قيمتها الاجتماعية، إن لم تفقد قيمتها التاريخية.

ومع ذلك، فإن جزءاً كبيراً مما حققه العالم الإسلامي، وما قدره، راجع إلى مجهود الشيخ عبده ومدرسته، وأما ما بقي بعد ذلك فهو راجع إلى تيار المدنية الحديثة، وسنتناوله بالحديث فيما بعد.

<<  <   >  >>