للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فإذا كان الأزهري المصري الكبير، لم يحدد تماماً المشكلة في الضمير المسلم، فلقد بسطها على الأقل في المجال الأدبي، مجال العقل.

ولقد كان للنشاط الإصلاحي في هذا المجال دوي وعمق، يشهد بهما ما شهده العالم الإسلامي كله تقريباً من بعث أدبي. ذلك لأن علم الكلام، كان في الحقيقة أول جهد بذله الفكر الإسلامي للتخلص من نومه المزمن، وحسبنا أن نتصور ما يمكن أن يحدثه نشر كتاب كـ (رسالة التوحيد)، في عالم لم ير شيئاً من ذلك منذ عهد ابن خلدون.

فللمرة الأولى منذ قرون تمخض عقل مسلم عن عمل فكري، وللمرة الأولى أيضاً دار نقاش، فمزق الصمت الذي خيم على الجامعات الإسلامية القديمة، حتى وجدنا أن الأزهر، وهو الجامعة الإسلامية الكبرى، بدأ يتناغم في روحه مع ما دار من نقاش أثاره جمال الدين ومحمد عبده؛ أما مناهجه وطرق التدريس فيه فقد بقيت تنتظر دورها، على الرغم من بعض المحاولات السطحية، أي إن الأزهر وهو المركز الأدبي في العالم الإسلامي لم يعترف إلا مؤخراً بقانون الحركة والتقدم. وأدرك أن قبابه العظيمة لا تظل كمالاً دائماً مطلقاً، بل أشياء تتدرج نحو الكمال. وهكذا بدأ الفكر الإسلامي ينشط في الحقل الفسيح الذي مهدته له حركة الإصلاح، لكن هذا الحقل الذي ظل بوراً قروناً طويلة، كان قد أعشب بالنباتات الطفيلية في المجال الفكري، إن لم يكن في المجال الروحي، ولذلك كان من الضروري إزالة الأنقاض قبل البدء في عملية البناء.

وهنا تضاف نقائص المؤسسات إلى نقائص إنسان ما بعد الموحدين.

إن لكل مؤسسة حياتها وتاريخها وتقاليدها، وفي كلمة واحدة، جمودها الخاص الذي يتحدى أحيانا إرادة الإنسان.

فإلى جانب ما اتصف به إنسان ما بعد الموحدين من (ذرية) وتزمت

<<  <   >  >>