للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ونزوع إلى المديح، لم تستطع التخلص منه عقول المصلحين، إلى جانب هذا كله تقف عيوب ذات طابع جماعي، كالجدل والحرفية والتشبث بأذيال الماضي والتحليق في الخيال، وهي ما يطبع ثقافة ما بعد الموحدين.

فما السبيل إلى أن يتحرك العالم الإسلامي تحت أوزار القرون، وأثقال التقاليد، والعادات المتخلفة المتراكمة؟ ..

لقد كان بحاجة إلى فكر ثوري كفكر (جمال الدين) يدعو إلى الهدم من أجل إعادة البناء، أو إلى فكر منهجي يجري عمليات التشذيب الضرورية لتحرير النظام القائم من أوزار التقاليد، على أساس منهج مرسوم، وكان لابد أولاً من إحصاء تلك العمليات الضرورية بأن يميز المصلحون خبيث (التقاليد) من طيبها.

إن لكلمة (تقاليد) في اللغة الغربية سحراً آسراً، فهي تستر خرافات المتصوفة وخزعبلاتها بستار الإسلام الجليل (١).

فأية مقارنة لتلك التقاليد بالإسلام، تنقي الثقافة الإسلامية من تلك المقدسات الوهمية التي تسمى (تقاليد)، ولقد قام بتلك المهمة على خير وجه الشيخ (عبد الحميد بن باديس)، فاستطاع أن يخلص الجزائر من تلك التقاليد الزائفة التي كانت تتجسد في الطريقة (المرابطية)، ولكن فرداً واحداً يعجز عن القيام بتلك المهمة وحده.

ولقد كان الشيخ محمد عبده يواجه وحده هذا العبء في عصره، فقدم بوصفه مفكراً أعظم مثال على العمل الأدبي، لعالم لم يتعود التفكير في مشكلاته، وبعث في جامعته- بوصفه عضواً في مجلس إدارتها- حياة تدفعها إلى التناغم مع الأفكار الجديدة.


(١) لم يخطر ببالنا ونحن نكتب هذه السطور أن رجلاً كـ (الجلاوي) تواتيه الجرأة ليتحدث عن التقاليد باسم الإسلام (١٩٥٤م).

<<  <   >  >>