للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الواقعية)، التي يتقدم بها المسيحي اليوم على المسلم، هذا المثقف سيقبس من مادية أوربا اتجاهها البورجوازي، أعني أذواقها المادية، أكثر مما سيقبس اتجاهها البروليتاري، أعني منطقها الجدلي.

ولما كان لم يتناول في استقرائه لحضارة أوربا، ما يتصل بمنتجاتها من علاقات تكوينية تربطها ببيئتها الطبيعية، فإن استعارته لهذه الأذواق سوف تصرفه عن ملاحظة علاقاتها بالحياة الإسلامية، وهكذا وجدنا هذه الحياة تغص بآلاف الأذواف المستعارة دون أن ندري سبباً لوجودها.

هذا الاستعداد في العالم الإسلامي لجمع منتجات مستعارة، يدلنا على ما تتم به الحركة الحديثة من طابع بدائي، إذ ليست الحضارة تكديساً للمنتجات، بل هي بناء وهندسة، فلو أننا قصرنا نظرنا على عناصر الحضارة ومنتجاتها، فلن نرى حتماً بناء المجتمع الغربي؛ لن ندرك ما ترمز إليه تلك الفضائل الدائمة المتجسدة في العامل، والفنان، والعالم، والفلاح البسيط، على حد سواء، بل سننخدع بما تدل عليه أشكالها المؤقتة كالطائرة والمصرف. وليس في بناء العالم الإسلامي شيء يمكن إدراكه بوضوح، فالناس هنا أو هناك يأخذون بناصية ما يبدو لهم أكثر سهولة ويسراً.

وليس من المستغرب في هذه الظروف أن تفقد الكلمات معانيها، وأن تفرغ من مضامينها التي تكفل لها قيمتها الاجتماعية، (فالكلام ذو قدسية). ولكن حين ينبئ عن عمل ونشاط، لا عن مجرد رصف للألفاظ، كما يحدث في الخطب الانتخابية؛ فالمجتمع المتحفز إلى النهوض يخلد دائماً إلى ما تقدمه إليه الاتجاهات الحرفية من ثروة لغوية جديدة، ذات أسر وجمال؛ وهنا يبدأ الكلام وكأنما يخون رسالته، إذ أنه بدلاً من أن ينشط جهد المجتمع في سبيل مضاعفته الضرورية لمواجهة أعباء الحاضر، ينحط به إلى درجة لا تكفي إلا لكسب سياسي، أو ضمان مركز سني.

<<  <   >  >>