للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولكم رأينا أناساً يتصدرون الحياة العامة فيتناولون الأشياء لمجرد التفاصح والتشدق بها، لا لدفعها ناشطة إلى مجال العمل، فكلامهم على هذا ليس إلا ضرباً من الكلام، مجرداً من أية طاقة اجتماعية أو قوة أخلاقية (١) على الرغم من أن هذه القوة هي الفيصل الوحيد في المواقف الفعالة الأخلاقية والمادية.

فالمرء عندما يبلغ دور الاكتمال يضغط على نفسه، ويخالف ما درج عليه، محاولاً بذلك تعديل وضعه، وحينئذ يصبح كلامه إرادة وعملاً يدلان على وجود علاقة بين الكلمات والوقائع. فإذا ما انعدمت العلاقة بين الكلام والعمل أصبح الكلام هذراً.

ولو لم تقر في أذهاننا صلة الكلام- باعتباره صورة للفكر- بالعمل باعتباره صورته المادية، فلن ندرك- من باب أولى- العلاقة العكسية بين العمل والفكر، وبذلك نفقد تلك الحركة الجدلية التي تنتقل- حين تواجه مناقضاتها- إلى فتوح جديدة في عالم الفكر، لكي تواجه مناقضات أخرى، تؤدي إلى فتوح جديدة ... وهكذا ...

فالكلام الذي انطلق خلال الحركة الإصلاحية، وخاصة منذ قضاء زعمائها الكبار، لم يكن قائماً على ضرورة اجتماعية. كما أن الكلام الذي أطلقته الحركة الحديثة، لم يكن يهدف إلى إحداث أثر، بل لم يكن يستتبع دفع الكلمات دفعاً إلى مجال العمل.

فالخطأ الذي وقع فيه المحدثون ودعاة الإصلاح، ناتج عن أن كليهما لم يتجه إلى مصدر إلهامه الحق، فالإصلاحيون لم يتجهوا حقيقة إلى أصول الفكر الإسلامي، كما أن المحدثين لم يعمدوا إلى أصول الفكر الغربي.


(١) استخدام (جب) كلمة tension وهي تطابق في مضمونها ما توحي به كلمة (قوة) في قوله تعالى: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}. [مريم: ١٩/ ١٢].

<<  <   >  >>