للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قرن. ومع ذلك فإن تصفية الأفكار الميتة، وتنقية الأفكار الميتة يعدان الأساس الأول لأية نهضة حقة.

وهكذا نرى مشكلات رئيسية تواجه المجتمع الإسلامي، ولم يقف هو في مواجهتها، فإن المصادفة تحل فيه محل الأفكار والمحاولات.

والجانب الثاني من المسألة التي نتناولها هنا هو العجز عن التفكير وعن العمل، وهو في المجال النفسي يدل على انعدام الرباط المنطقي (الجدلي) بين الفكر ونتيجته المادية، فالفكرة والعمل الذي تقتضيه لا يكشلان كلاً لا يتجزأ، والواقع أننا عندما نحلل اطراد أي نشاط له علاقة ما بالحياة العامة للنهضة نجده مبتوراً من جانب أو آخر: فإما فكرة لا تحقق، وإما عامل لا يتصل بجهد فكري، وليس في قائمة النشاط الاجتماعي ما يصح أن يعد ضئيل القيمة، فلكل حركة في ذلك الاطراد أثرها في تقدم المجتمع.

وكما يتجلى هذا النقص في الإطار العام، أعني في النشاط الاجتماعي، يتجلى أيضاً في الإطار الخاص، أعني في النشاط الفردي، فالفكرة الإصلاحية مثلاً تستهدف إصلاح الفرد، ولكنا لا نشم مطلقاً رائحة مصلح تتطلب معه الأمور أن يوجد ناطق بفكرة الإصلاح، أي حيث يوجد موضوع الإصلاح نفسه: في المقاهي، وفي الأسواق، وفي كل مكان تنكشف فيه العيوب الاجتماعية التي يدعو إلى إصلاحها.

وكل ما يقوم به المصلحون، هو أن يكتفوا بتلقين بعض الأطفال دروساً طبقاً لمناهج لا تدعو لشيء من الإصلاح، أو بتوجيه بعض العظات من المنابر، إلى جمهور لم يدرسوه في بيئته وجَوِّهِ الذي ألفه، بل هو الذي سعى ليحيط بالمنبر: فإذا بالطفل وقد أصبح متعلماً بقدر، وإذا بالفتى وهو يجيد الاستماع والمجاملة.

<<  <   >  >>