للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ الْمُهَلَّبُ:

وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ البُخَارِيُّ مَذْهَبَنَا، وَعَجَبًا مِنْهُ أَنْ يَذْكُرَ إِبَايَةَ زَيْدٍ رَضِيَ الله عَنْهُ مِنْ الْيَمِينِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَيَجْعَلَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْيَمِينُ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَلَوْ كَانَ ذَلكَ كَمَا ظَنَّ لَصَدَعَ بِذَلِكَ زَيْدٌ، وَاحَتَجَّ بِهِ عَلَى مَرْوَانَ، الَّذِي قَضَى عَلَيْهِ فِي الْمَدِينَةِ وَفِيهَا مَلأٌ مِنْ أَصْحَابِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُمْ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ اللهُ {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}، أَفَتَرَاهُمْ كَانُوا يَدَعُونَ مَرْوَانَ يَقْضِي عَلَيهِ بِالْمُنْكَرِ وَهُمْ كَمَا وَصَفَهُمْ رَبُّهُمْ بِهِ مِنْ النَّهْيِ عَنْهُ, أَوَ تَرَى زَيْدًا لَوْ عَلِمَ أّنَّهُ مُنْكَرٌ كَانَ يَتْرُكُ إِنْكَارَهُ وَالنَّهْيَ عَنْهُ، لَا وَالَّذِي شَهِدَ لَهُمْ بِالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ.

بَلْ نَقُولُ إِنَّ إِبَايةَ زَيْدٍ دَلِيلُنَا عَلَى تَهَيُّبِهِ رَضِيَ الله عَنْهُ مَا دُعِيَ إِلَيْهِ مِنْ اليَمِينِ عَلَى مِنْبَرِ الرَّسُولِ، وَتَعْظِيمًا لَهُ، كَمَا تَهَيَّبَ عُمَرُ الفَارُوقُ رِضْوَانَ اللهِ عَلَيهِ الْيَمِينَ خَشْيَةَ أَنْ يُوَافِقَ قَدَرًا فَيُقَالُ بِيَمِينِهِ.

ثُمَّ دَلِيلُنَا الآخَرُ مِنْ كِتَابِ اللهِ الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ}، إشْتِرَاطُهُ تَعَالَى مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْلِيفِهِمَا فِي الْمَسْجِدِ إِذْ فِيهِ تَكُونُ الصَّلاةُ، وَلَهَا مَا بُنِيَ وَاتُّخِذَ، لأَنَّ اشْتِرَاطَهُ سُبْحَانَهُ بَعْدَ الصَّلاةِ بَيْنَ الأَوْقَاتِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَشْتَرِطُ مِنْ الَمَواضِعِ أَعْظَمَهَا كَمَا اشْتَرَطَ تَعَالَى مِنْ الأَوْقَاتِ أَعْظَمَهَا، وَإِلَاّ فَالانْفِصَال الانْفِصَال، وَالله الْمُوفِّق (١).


(١) ليس في التنزيل فيحلفان بالله، فكأن في العبارة اختلالا، ومراده: يحلفان بالله كما قال: فيقسمان بالله.

<<  <  ج: ص:  >  >>