للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَعْضُهُمْ فَيُرَاجِعُونَ فِيهِ حَتَّى يَعْرِفُوهُ ... فَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا، فَعَرَفْتُ يَوْمَئِذٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَحْفَظَ الصَّحَابَةِ».

وَمِمَّا يدل على حفظه اَيْضًا ما ذكره الحافظ ابن حجر في " الإصابة "، قَالَ أَبُو الزُّعَيْزِعَةِ كَاتِبُ مَرْوَانَ: «أَرْسَلَ مَرْوَانُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُ، وَكَانَ أَجْلَسَنِي خَلْفَ السَّرِيرِ أَكْتُبُ مَا يُحَدِّثُ بِهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي رَأْسِ الحَوْلِ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ، فَمَا غَيَّرَ حَرْفًا عَنْ حَرْفٍ»، وقد عرف هذه الخصيصة لأبي هريرة الصحابة ومن جاء بعدهم من الأئمة، فهذا ابن عمر يقول: «إِنْ كُنْتَ لأَلْزَمَنَا لِرَسُولِ اللهِ وَأَعْرَفَنَا بِحَدِيثِهِ» وهذا هو إمام الأئمة الشافعي يقول: «أَبُو هُرَيْرَة أَحْفَظ مَنْ رَوَى الْحَدِيث فِي عَصْره» فكيف بعد هذا يجوز أن نتخذ من كثرة روايته وحفظه للحديث - حتى نشر منه ما لم ينشر غيره - بَابًا للطعن عليه في صدقه وأمانته؟ فالإكثار من الرواية مرجعه إلى طول الملازمة وعدم الشواغل الدنيوية، وقلة تكاليف الحياة والتفرغ للعلم والتعليم والفتيا، وعدم الاشتغال بشؤون الحُكْمِ والسياسة وتأخر الوفاة، وليس مرجعه إلى الفضل والمنزلة في الدين كما حاول المؤلف في صدر كلامه عن أبي هريرة أن يربط بينهما، ألا ترى إلى الخلفاء الثلاثة - على منزلتهم في الدين، ومكانتهم في الفضل ولصوقهم برسول الله لم يكن لهم من التفرغ للعلم، والتخلي عن شؤون الدولة المترامية الأطراف، مَا يُهَيِّئُ لهم الإكثار من الرواية، فمن ثَمَّ قَلَّتْ روايتهم، أما الخليفة الرابع فإنه لما تأخرت وفاته وتهيأ له من التفرغ للعلم والفتيا ما لم يتهيأ لهم فقد كثرت مروياته (١)، فمحاولة الربط بين المنزلة في الدين وكثرة الرواية ليس من التحقيق العلمي في شيء، وقد أدرك السابقون ذلك، روى الأعمش عن أبي صالح قال: «كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ أَحْفَظِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَكُنْ بِأَفْضَلِهِمْ».

تَجَنَِّيهِ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَنَّهُ كَانَ مَزَّاحًا مِهْذَارًا:

في [ص ١٦١] قال تحت عنوان «مزاحه وهذره»: أجمع مؤرخو أبي هريرة أنه كان رجلاً مزاحًا مِهْذَارًا يتودد إلى الناس ويسليهم بكثرة الحديث والإغراب في القول ليشتد ميلهم إليه ... الخ ما قال.


(١) " الاتقان ": ٢/ ١٨٧.

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
[الرواية كما وردت في " المستدرك ": أَنَّ رَجُلاً جَاءَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: عَلَيْكَ بِأَبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنَّهُ بَيْنَا أَنَا وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَفُلاَنٌ فِي الْمَسْجِدِ ذَاتَ يَوْمٍ نَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى، وَنَذْكُرُ رَبَّنَا خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَلَسَ إِلَيْنَا، قَالَ: فَجَلَسَ وَسَكَتْنَا، فَقَالَ: «عُودُوا لِلَّذِي كُنْتُمْ فِيهِ». قَالَ زَيْدٌ: فَدَعَوْتُ أَنَا وَصَاحِبِي قَبْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَمِّنُ عَلَى دُعَائِنَا، قَالَ: ثُمَّ دَعَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِثْلَ الَّذِي سَأَلَكَ صَاحِبَايَ هَذَانِ، وَأَسْأَلُكَ عِلْمًا لاَ يُنْسَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آمِينَ»، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَنَحْنُ نَسْأَلُ اللَّهَ عِلْمًا لاَ يَنْسَى فَقَالَ: «سَبَقَكُمَا بِهَا الدَّوْسِيُّ» صَحِيحُ الإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. (" المستدرك " للحاكم النيسابوري، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، ٣/ ٥٨٢ حديث ٦١٥٨، الطبعة الأولى: ١٤١١ هـ - ١٩٩٠ م، نشر دار الكتب العلمية. بيروت - لبنان].

<<  <   >  >>