للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مسعود جرت بينه وبين أبي هريرة قصة» ثم ذكر رواية أبي هريرة وقول قين له: «فَإِذَا جِئْنَا مِهْرَاسَكُمْ هَذَا فَكَيْفَ نَصْنَعُ بِهِ؟».

ثم ألا يجوز أن يكون قين يريد الاستفسار ولا يريد الاستشكال والإنكار، وهذا هو الذي ينبغي أن يحمل عليه حال الرجل المسلم، ولو سلمنا أنه يريد الإنكار فإنكار التابعي على الصحابي لاَ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ ولا يقدح في عدالته.

[ج] وأما حديث «إِنَّمَا الطِّيَرَةُ فِي الْمَرْأَةِ وَالدَّابَّةِ وَالدَّارِ» فإليك وجه الحق فيه.

دَخَلَ رَجُلاَنِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ عَلَى عَائِشَةَ فَأَخْبَرَاهَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " الطِّيَرَةُ فِي الدَّارِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالْفَرَسِ " فَغَضِبَتْ فَطَارَتْ شِقَّةٌ مِنْهَا فِي السَّمَاءِ، وَشِقَّةٌ فِي الأَرْضِ، وَقَالَتْ: وَالَّذِي أَنْزَلَ الْفُرْقَانَ عَلَى مُحَمَّدٍ مَا قَالَهَا.

١) هذا الحديث رواه أحمد وابن خزيمة والحاكم من طريق قتادة عن أبي حسان: «أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ دَخَلاَ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالاَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الطِّيَرَةُ فِي الْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ وَالدَّارِ» فَغَضِبَتْ غضبًا شديدًا وَقَالَتْ: مَا قَالَهُ، وَإِنَّمَا قَالَ: «إِنَّ أَهْلَ الجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يِتَطَيَّرُونَ مِنْ ذَلِكَ»، فأنت ترى أن الرواية بلفظ (مَا قَالَهُ) وأن عائشة لم تقل كذب، وإنما هي مِمَّنْ اخترعها وهو النَظَّامُ ومشايعوه، ومنهم المؤلف الذي أخذ على نفسه التَجَنِّي على أبي هريرة ورميه بِالسَّيِّءِ من القول.

ونحن نعلم أن عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - كثيرًا ما كانت تَرُدُّ على الصحابة اعتمادًا على ظاهر القرآن، فقد استندت في إنكارها إلى قوله سبحانه: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ} (١). الآية» ولقد قالت هذه المقالة في مراجعتها لعمر وابنه، فلماذا اعتبر الطاعنون هذا القول في حق أبي هريرة تكذيبًا له، ولم يعتبروها في حق عمر؟.

٢) إن هذا الحديث رُوِيَ عن غير أبي هريرة من الصحابة، فقد رواه البخاري في " صحيحه " عن ابن عمر، وسهل بن سعد الساعدي، ورواه مسلم في " صحيحه " عنهما اَيْضًا (٢)، وعن جابر بن عبد الله، فإنكار عائشة على أبي هريرة لا يتجه بعد موافقة هؤلاء الصحابة له، قال الحافظ في " الفتح ": «وَلاَ مَعْنَى لإِنْكَار ذَلِكَ عَلَى أَبِي


(١) [سورة التغابن، الآية: ١١].
(٢) " صحيح البخاري «كتاب الجهاد»، باب ما يذكر من شؤم الفرس. " صحيح مسلم بشرح النووي ": ج ١٤ ص ٢٢٠، ٢٢١.

<<  <   >  >>