للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والجواب:

أن هذا الحديث رواه " البخاري " و" مسلم "، رواه " البخاري " عن أبي هريرة في باب «صفة الجنة والنار «من كتاب الرقاق (١) وهو مرفوع في رواية البخاري لا كما يوهم كلام المؤلف من أن رواية " البخاري " موقوفة عليه، ورواه مسلم في " صحيحه " (٢) عن أبي هريرة مرفوعًا بدون قوله: وغلظ جلده إلخ، وأما رواية " مسلم " التي فيها الزيادة فبلفظ: «ضِرْسُ الكَافِرِ، أَوْ نَابُ الْكَافِرِ، مِثْلُ أُحُدٍ وَغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلاَثٍ» ومن ثم تبين لنا أن المؤلف غير متثبت فيما ينقل، وإنما يعتمد على الخطف السريع، فقد خطف هذه الكلمة من " الفتح " من غير أن يعرف مرجع الضمير في قوله: «أوله».

وقد وردت أحاديث أخرى تفيد عظم خلق الكافر يوم القيامة عن غير أبي هريرة، مِمَّا يدل على أنه لم ينفرد بهذا، ففي حديث ابن عمر عند أحمد من رواية مُجَاهِدٍ عَنْهُ مَرْفُوعًا: «يَعْظُمُ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ، حَتَّى إِنَّ بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِ أَحَدِهِمْ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةَ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ».وَلِلْبَيْهَقِيِّ فِي " البَعْث " مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: عَن مُجَاهِدٍ عَن ابْن عَبَّاس: «مَسِيرَةَ سَبْعِينَ خَرِيفًا

» ولابن المبارك في " الزهد " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «ضِرْسُ الْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ، يُعَظَّمُونَ لِتَمْتَلِئَ مِنْهُمْ، وَلْيَذُوقُوا الْعَذَابَ» وسنده صحيح ولم يصرح برفعه لكن له حكم الرفع لأنه لا مجال للرأي فيه (٣).

وأما الحكمة في تعظيم خلق الكافر فقد أشار إليها الحديث السابق وزاده القرطبي توضيحًا فقال في " المفهم ": «إِنَّمَا عَظُمَ خَلْقُ الْكَافِرِ فِي النَّارِ لِيَعْظُمَ عَذَابُهُ وَيُضَاعَفُ أَلَمُهُ ... وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ الكُفَّارَ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْعَذَابِ عُلِمَ مِنْ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلأَنَّا نَعْلَمُ عَلَى القَطْع أَنَّ عَذَابَ مَنْ قَتَلَ الأَنْبِيَاء وَفَتَكَ فِي المُسْلِمِينَ وَأَفْسَدَ فِي الأَرْض لَيْسَ مُسَاوِيًا لِعَذَابِ مَنْ كَفَرَ فَقَطْ وَأَحْسَنَ مُعَامَلَة الْمُسْلِمِينَ مَثَلاً». وفي قوله - صَلَوَاتُ


(١) " فتح الباري ": ج ١١ ص ٣٥٤.
(٢) " مسلم بشرح النووي ": ج ١٧ ص ١٨٦.
(٣) " فتح الباري ": ج ١١ ص ٣٥٤.

<<  <   >  >>