للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا الحديث رواه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه، ولم أجد لأحد من نقاد الحديث طعنا في سنده فهو في درجة عالية من الصحة وكل ما وقع من الطعن فيه من بعض المستاهلين إنما هو من جهة متنه ومدلوله، فقد قالوا: كيف يكون الذباب الذي هو مباءة الجراثيم فيه دواء؟ وكيف يجمع الله الداء والدواء في شيء واحد؟ وهل الذباب يعقل فيقدم أحد الجناحين على الآخر؟

وقد بذل علماؤنا الأوائل - أَثَابَهُمْ اللهُ - الجهد في رد هذه الشبهة فقالوا: لا مانع عقلاً أن يجمع الله الداء والدواء في شيء واحد، بل هو أمر مشاهد معروف، فالنحلة تلقي السُمَّ من أسفلها وتخرج عسلاً فيه شفاء للناس مِنْ فِيهَا، والحية القاتل سُمُّهَا يدخل لحمها في الترياق الذي يعالج به السم، وإن الله الذي هدى النحلة إلى أن تبني بيتها على أعظم نظام هندسي، وهدى النملة أن تدخر قوتها لأوان حاجتها، وأن تفلق الحبة نصفين لئلا تنبت، لقادر على أن يلهم الذبابة أَنْ تُقَدِّمَ جَنَاحًا وَتُؤَخِّرَ آخَرَ، وحاول بعضهم أن يجيب فقال: إن الحديث من قبيل المجاز، وأن المراد بالداء داء الكبر، وبالدواء حمل النفس على التواضع بتناول ما سقط فيه الذباب.

وقد شاء ربك العالم بما كان وما يكون أن يظهر سِرُّ هذا الحديث، وأن يتوصل بعض نطس الأطباء إلى أن في الذباب مادة قاتلة للميكروب فبغمسه في الإناء تكون هذه المادة سَبَبًا في إبادة ما يحمله الذباب من الجراثيم التي ربما تكون عالقة به، وبذلك أصبح ما قال العلماء الأقدمون - تجويزًا - حقيقة مقررة، وإليك ما ذكره أحد الأطباء العصريين في محاضرة بجمعية الهداية الإسلامية بمصر قال:

يقع الذباب على المواد القذرة المملوءة بالجراثيم التي تنشأ منها الأمراض المختلفة فينقل بعضها بأطرافه، ويأكل بعضًا آخر فتتكون في جسمه مادة سامة يسميها علماء الطب «مبعد البكتيريا» وهي تقتل كثيرًا من جراثيم الأمراض، ولا يمكن لتلك الجراثيم أن تبقى حية أو يكون لها تأثير في جسم الإنسان في حال وجود مبعد البكتيريا هذا، وإن هناك خاصة في أحد الجناحين هي أنه يحول مبعد البكتيريا إلى ناحيته، وعلى هذا إذا سقط الذباب في شراب أو طعام وألقى الجراثيم العالقة

<<  <   >  >>