للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرواية هو: المسلم البالغ العاقل السالم من أسباب الفسق وخوارم المروءة، وإن كان عبدًا أو امرأة أو أعمى أو محدودًا في قذف ثم تاب أو انفرد برواية الحديث، وذلك بخلاف عدل الشهادة فلا يقبل فيها من حد في قذف، أو كان أعمى أو امرأة أو رقيقًا، وذلك لأن الشهادة من قبيل الولاية ولا كذلك الرواية، وهكذا يَتَبَيَّنُ لنا أن الكافر والصبي والمجنون والفاسق (فاعل الكبيرة أو المصر على الصغيرة) وفاقد المروءة بمعزل عن عدل الرواية، وإنه لتظهر لنا دقة علمائنا الفائقة - جزاهم

الله عنا خَيْرًا - حينما لم يكتفوا بالإسلام والعقل عن البلوغ والسلامة من الفسق وما يخل بالمروءة، وذلك لأن الإسلام والعقل يمنعان من الكذب بحسب الظاهر لوجود ما يعارضهما وهو الهوى والشهوة فَلاَ بُدَّ إِذًا من رجحان جانب العقل والإسلام على دواعي الهوى والشهوة، وذلك لا يكون إِلاَّ بالسلامة من أسباب الفسق وما يخل بالمروءة (١).

وأما الضبط فقد عَرَّفُوهُ بأنه التيقظ وعدم الغفلة، وذلك بأن يكثر صواب الراوي على خطئه مع قلة الخطأ في نفسه، وينقسم الضبط إلى قسمين:

١ - ضبط صدر وهو أن يحفظ ما يسمعه في صدره من وقت تحمله إلى حين أدائه مع المحافظة على اللفظ إن كان حافظًا له ومع علمه بما يحيل المعنى أو يخل به إن روي بالمعنى.

٢ - ضبط كتاب وهو أَنْ يَصُونَ الكِتَابَ الذِي تَحَمَّلَهُ من وقت التحمل إلى وقت الأداء بحيث يكون آمِنًا عليه من التغيير والتبديل والزيادة والنقصان.

ومن ثم يظهر لنا أن المُحَدِّثِينَ لا يعتبرون الراوي ضابطًا إذا تساوى خطؤه وصوابه، أو غلب خطؤه على صوابه، وهو المسمى عندهم بالمغفل، أو فاحش الغلط، أو كثير الخطأ وكذا لا يعتبرون من كثر صوابه على خطئه ولكن كثر الخطأ في نفسه وهو المسمى (سَيِّئَ الحِفْظِ) (٢).


(١) " الأسلوب الحديث في علوم الحديث ":ج ٢ ص ٧.
(٢) " نخبة الفكر " و " شرحها " للحافظ ابن حجر «مبحث الضبط».

<<  <   >  >>