للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونحن الذين نقول بعدالته إنما أردنا في الرواية، وأما ملابسته للحروب والفتن، وانحيازه لمعاوية فهو أمور اجتهادية، وهي لا تخل بهذه العدالة، والله يغفر لنا ولهم، ويرحم الله القائل: «إِنَّ هَذِهِ دِمَاءٌ طَهَّرَ اللهُ مِنْهَا سُيُوفَنَا، فَلْنُطَهِّرْ مِنْهَا أَلْسِنَتَنَا».

فلا تلق - يا أخي القارئ - بَالاً لِتَهْوِيلِ المُهَوِّلِينَ، وإرجاف المُرْجِفِينَ من المؤلفين، فإنهم - علم الله - ما أرادوا إِلاَّ تفويض بُنْيَانَ السُنَّةِ والتشكيك فيها، وذلك بالتشكيك في حَمَلَتِهَا الأُوَلِ وَمُبَلِّغِيهَا عن الرسول وَهُمْ الصحابة.

سَبْقُ بَعْضِ المُحَدِّثِينَ النُقَّادِ لابِْنِ خَلْدُونَ فِي تَزْيِيفِ بَعْضَ المَرْوِيَّاتِ:

في [ص ٣٣١] عرض في الخاتمة لكلام الإمام ابن خلدون في نقد المرويات وتمحيصها وبيان صحيحها من زائفها وهو كلام حسن وقويم ولا يجادل فيه أحد.

ولكن أقول للمؤلف:

إنَّ ما قاله ابن خلدون قد سبق إليه بعض أئمة الحديث وطبقوه بالفعل (١)، كما أحب أن أقول له: إنه كان أشد الناس مخالفة لهذه القواعد، وإنه في سبيل الوصول إلى ما يهوى ويشتهي من رأي كان يقع فيما هو معلوم بطلانه ببدائه العقول، وليس أدل على هذا من أنه صدق الرواية القائلة: إن أبا هريرة كان يأكل على مائدة معاوية، ويصلي وراء عَلِيٍّ فأي عقل يصدق هذا؟ ومعاوية كان بالشام وَعَلِيٌّ بالكوفة؟ وغير هذه كثير في كتاب المؤلف.

رَدُّ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ قَلِيلَ الرِّوَايَةِ:

وقال في [ص ٣٣٤] نقلاً عن ابن خلدون قال: «إنَّ الأئمة المجتهدين تفاوتوا في الإكثار من هذه الصناعة والإقلال فأبو حنيفة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يقال بلغت روايته إلى ١٧ حَدِيثًا أو نحوها».


(١) انظر رسالة " أصول التفسير " لابن تيمية (م ٧٢٨) و " تفسير ابن كثير " في كثير من مواضعه (م ٧٧٤) تجدهما نَبَّهَا على كثير من المغالط التي تقع في النقل والمرويات والتنصيص على الإسرائيليات.

<<  <   >  >>