للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأحاديث ببيان أحكامها مما لم يجر له في القرآن الكريم ذكر، هذه الثروة الطائلة النافعة المفيدة هي ما تعرف بالأحاديث والسنن سواء أكانت قولية، أم فعلية، أم تقريرية.

الحقيقة الثانية:

حرص الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - حرصًا بالغًا عما يصدر عن الرسول المشرع - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإحلاله محل النفس والروح، وقد كان من دواعي حفظ الصحابة ما يرد عن الرسول وَفَهْمِهِ وَالعِلْمِ بِهِ، وحرصهم على أمور:

[١] أ، التقوى ما كانت تنال إلا بالعمل بما جاء به والشرف ما كان ينال في الإسلام إلا بالتقوى وصدق الله: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (١) والتقوى لا تنال إلا بالعمل بكتاب الله، وبسنة رسوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فمن ثم كانت عنايتهم بحفظ سنن رسول الله مثل عنايتهم بحفظ كتاب الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -، ولما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لأمير مكة في عصره: مَنْ اِسْتَخْلَفْتَ؟ قَالَ: ابْنَ أَبْزَى، قَالَ: وَمَنِ ابْنُ أَبْزَى؟ قَالَ: مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا، قَالَ: [فَاسْتَخْلَفْتَ] عَلَيْهِمْ مَوْلًى؟ قَالَ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ!!، قَالَ عُمَرُ: [أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ]: «إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ». رواه مسلم، وكان الواحد منهم يقول لصاحبه وهو ذاهب إلى مجلس الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَعَالَ نُؤْمِنْ سَاعَةً».

[٢] إن كثيرًا من شرائع الدين، وما جاء عن سيد المرسلين قد ارتبط بحوادث مشهورة أو بحوادث خاصة ببعضهم أو بأسئلة من جهتهم إلى غير ذلك مما له أكبر الأثر في حفظ ما يتعلق به، وإذا كان هذا أمرًا معروفًا مُسَلَّمًا فلماذا يستبعد جولدتسيهر ومن على شاكلته من المستشرقين أن يحفظ الصحابة قدرًا كبيرًا من سنن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأحاديثه ويبلغوها لمن جاء بعدهم، ومن بعدهم يبلغونها لمن بعدهم حتى وصلت إلينا كما تلقوها عن الرسول الكريم - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

[٣] حُبُّهُمْ للرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُبًّا صادقًا صار مضرب الأمثال، وَأَقَرَّ بِهِ الموافق والمخالف، حتى قال بعض [أَعْدَاءِ] الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلح الحديبية لقومه المشركين


(١) [سورة الحجرات، الآية: ١٣].

<<  <   >  >>