للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَذَمِّهِمْ، وَمَدْحِ أَعْدَائِهِمْ، وَذَمِّهِمْ، وكيف؟ وهذه كتب الأحاديث الموضوعة قد بينت الكثير من ذلك، ولكن الذي ننكره أشد الإنكار أن يكون من فعل هذا تَقِيًّا!! أو تكون هذه الموضوعات قد جازت عليهم من غير أن يدركوها ويبينوا عوارها وعارها على واضعيها، فهذا ابن سيرين (١) يقول: «لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الإِسْنَادِ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الفِتْنَةُ قَالُوا: سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ. فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُنّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ، وَيُنظَرُ إِلَى أَهْلِ البِدَعِ فَلاَ يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ». وأهل السنة كانوا مثال الاستقامة في العقيدة والسلوك، بينما أهل البدع كانوا على الضد من ذلك، ويقول اَيْضًا: «إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ» " رواها مسلم في مقدمة " صحيحه "، وروى مسلم بسنده عن عبد الله - بن المبارك أنه قال: «الإِسْنَادُ مِنَ الْدِّينِ، وَلَوْلاَ الإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ» وروي عنه اَيْضًا أنه قال: «بَيْنَنَا وَبَيْنَ القَوْمِ الْقَوَائِمُ» يَعْنِي الإِسْنَادَ (٢). وروى اَيْضًا بسنده عن عبد الله بن ذكوان المكنى بأبي الزناد قال: «أَدْرَكْتُ بِالْمَدِينَةِ مِائَةً، كُلُّهُمْ مَأْمُونٌ، مَا يُؤْخَذُ عَنْهُمُ الْحَدِيثُ، يُقَالُ: لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ» (٣) وهذا يدل على اليقظة التامة من العلماء الذين تَصَدَّوْا لِلْرِّوَايَةِ، وتعقبوا الوضاعين والكذابين حتى كشفوا عن خبيئة أمرهم، ودخيلة نفوسهم وقد بينت آنِفًا في الرد الإجمالي على مقالة المستشرقين كيف كان جهاد العلماء الأتقياء في مقاومة حركة الوضع لا في الاشتراك فيها.

[٢] وأمر آخر أحب أن أنبه إليه وهو أن العصر الأول كان الوازع الديني فيه قويًا على الرغم مما حدث من فتن وخلافات، وهذا الوازع الديني نلمحه قويًا ظاهرًا في العلماء الأتقياء، ومن على شاكلتهم ممن لا يخافون في الحق لومة لائم، فما كان ليخيفهم زجر ولا وعيد، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر ثابت معروف وكثيرًا ما كان ينصح العالم الخليفة والأمير، ويبين له مخالفته للحق والدين.


(١) هو الإمام التابعي الجليل محمد بن سيرين الأنصاري أبو بكر بن أبي عمرة، ثقة، ثبت، عابد، كان لا يرى الرواية بالمعنى مات سنة عشر ومائة. (*)
(٢) شبه الإسناد التي تقوم عليه الأحاديث بالقوائم أي الأرجل التي تقوم عليها الدابة فكما أن الدابة لا ينتفع بها إلا بقوامها كذلك لا ينتفع بالأحاديث إلا بأسانيدها.
(٣) " صحيح مسلم بشرح النووي ": جـ ١ ص ٧٨ - ٨٨.

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) ورد هذا الهامش في الكتاب المطبوع خطأ في الصفحة ٢٩٤.

<<  <   >  >>