للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«اسْكُتْ يَا شَيْخًا قَدْ خَرِفَ» (١) وروي عنه اَيْضًا أَنَّ الحَجَّاجَ خَطَبَ فَقَالَ: «إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ بَدَّلَ كَلاَمَ اللهِ»، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «كَذَبَ (٢) لَمْ يَكُنِ ابْنُ الزُّبَيْر يَسْتَطِيعُ أَنْ يُبَدِّلَ كَلاَمَ اللهِ وَلاَ أَنْتَ».!!! فَقَالَ الحَجَّاجُ: «أَنْتَ شَيْخٌ خَرِفٌ»، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «أَمَا إِنَّكَ لَوْ عُدْتَ لَعُدْتُ» (٣). والحجاج هُوَ مَنْ هُوَ قَسْوَةً عَلَى الأَمَّةِ الإِسْلاَمِيَّةِ ومحاولة إذلالها، وإسكات أَلْسِنَةَ الحَقِّ فيها وقد سمعت ما قاله له الصحابي ابن عمر.

فكيف يعقل أن يصبغ بنو أمية حكمهم بالوضع في الأحكام، ولا ينكر عليهم، أشد الإنكار أن الوضع في الأحكام لم يكن في هذا الوقت المبكر، إنما حدث بعد لما وجدت العصبية المذهبية، واشتدت الخلافات الفقهية ولئن كانت أحاديث الفضائل يتساهل فيها بعض العلماء، فأحاديث الأحكام أجمع العلماء على التشدد فيها وعدم التساهل فيها، لأن عليها يتوقف معرفة الحلال والحرام.

(ثانيًا) من العجيب حَقًّا أنه وقد أراد أن يؤيد افتراءه ذكر بعض مخالفات أحصيت على بني أمية، وليست في واحدة منها ما يشهد لدعواه.

أما مسألة أن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخطب خطبة الجمعة واقفًا، حتى جاء معاوية فخطب قاعدًا - فهذا أمر لا ينكر، ومعاوية لم يفعله إلا لعذر:

روى ابن أبي شيبة «أَنَّ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - خَطَبَ قَاعِدًا لَمَّا كَثُرَ شَحْمُ بَطْنِهِ وَلَحْمُهُ»، وروى البيهقي في " سُنَنِهِ " «أَنَّ ضَعْفَهُ كَانَ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ» وكنا نحب من هذا المتجني على الأحاديث أن يضع يدنا على حديث واحد فيه ما يبرر ذلك.

وروى البيهقي بسنده عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ أُمِّ الْحَكَمِ يَخْطُبُ قَاعِدًا، فَقَالَ: «انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْخَبِيثِ يَخْطُبُ قَاعِدًا، وَقَالَ


(١) " تذكرة الحفاظ ": جـ ١ ص ٣٧.
(٢) في " طبقات ابن سعد ": «كَذَبْتَ» وهي أولى.
(٣) " تذكرة الحفاظ ": جـ ١ ص ٣٧.

<<  <   >  >>