للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد تمخضت هذه الحركة التدوينية عن كتب قيمة، وموسوعات ضخمة اشتملت على الأحاديث النبوية التي تصلح للاحتجاج، أو للتقوية والاستشهاد، ومن هذه الكتب ما هو خاص بالصحيح، ومنها ما هو مشتمل على الصحيح والحسن والضعيف، ومنها ما هو خاص بالحديث النبوي، ومنها ما يشتمل على أقوال الصحابة والتابعين.

وقد مني الإسلام من قديم الزمان بأعداء لا ينامون. يُضْمِرُونَ له الكيد وينسجون الخيوط ويحيكون المؤامرات لذهاب دولته وسلطانه.

وهؤلاء لما لم يتمكنوا من المجاهرة بالعداوة لجأوا إلى الدسِّ والخديعة واتبعوا في سبيل ذلك وسائل متعددة: فَطَوْراً عن طريق إظهار الحب والتودد لآل بيت الرسول كما فعل [السَّبَئِيُّونَ] (١) وطورًا عن طريق التأويل في النصوص الدينية تأويلاً لا يشهد له لغة ولا شرع، ومحاولة إبطال التكاليف الدينية كما فعل الباطنية والقرامطة وأضرابهم.

وقد حاول هؤلاء الأعداء أن يُشَكِّكُوا المسلمين في أساس دينهم وهو القرآن الكريم وذلك بالتشكيك في تواتره وإعجازه وسلامته من الاختلاف والتناقض وصلاحية إحكامه لكل عصر ولكل بيئة، وفي سبيل هذه الغاية اختلقوا الروايات وحرَّفوا معاني الآيات.

وكذلك حاولوا أنْ يُشَكِّكُوا المسلمين في الأصل الثاني وهو السُنَّةُ النبوية وقد اتَّخذوا للوصول إلى هذه الغاية الدنيئة أساليب متعددة، فتارة عن طريق التشكيك في ثبوتها، وأنها آحادية وليست متواترة.

وتارة أخرى عن طريق اختلاق الروايات التي تظهر الأحاديث بمظهر السطحية والسذاجة في التفكير ومخالفة الواقع المحسوس أو العقل الصريح أو النقل الصحيح أو التجربة المُسَلَّمَةِ إلى غير ذلك من الأساليب، وقد حمل لواء هذا التهجُّم من قديم الزمان «النظَّام» ومن على شاكلته من أعداء السُنَن النبوية، وقد عرض للكثير من مقالاتهم في الأحاديث العلاَّمة «ابن قتيبة» في كتابه " تأويل مختلف الحديث ".


(١) هم أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي الذي أظهر الإسلام واستبطن الكفر.

<<  <   >  >>