للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا في السماء؟ ومن أصدق من الله قِيلاً؟ وأيضا فقد نَوَّهَ بعدالتهم نبينا محمد - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ - ودعا إلى معرفة حقوقهم وإكرامهم، وعدم إيذائهم والتهجم عليهم لما لهم من الأفضال، ففي " الصحيحين " مرفوعًا: «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ». وقد تواتر عن النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في " الصحيحين " وغيرهما من كتب السُنَّة المعتمدة أنه قال: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»، الحديث. وروى الترمذي وابن حبان في " صحيحه " أن النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، لاَ تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ، وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ».

وروى البزار في " مسنده " بسند رجاله موثقون أنَّ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَ أَصْحَابِي عَلَى الثَّقَلَيْنِ سِوَى النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ». والواقع التاريخي يؤيد هذا الحديث كل التأييد، وإنما يعلم ذلك حق العلم من اطلع على تاريخ الصحابة وسيرهم، وما كانوا عليه من العلم والعمل والتقوى وطهارة الأخلاق والترفع عن الأهواء والشهوات، وقد كان كبار الصحابة ولا سيما الخلفاء الراشدون يعرفون هذا الفضل لكل صحابي، وَإِنْ لم يكن له من الصحبة إِلاَّ الرؤية ... وقد روي أنه جيء للفاروق عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - برجل بدوي هجا الأنصار فقال لهم: «لولا أن له صحبة من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما أدري ما نال فيها لكفيتكموه ولكن له صحبة منه» فها هو ذا عمر على صرامته في الحق قد توقف عن معاتبته، فضلاً عن معاقبته لكونه علم أنه حظى بشرف الصُحْبَةِ.

على أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شيء مِمَّا ذكرنا لأوجبت الحال التي كانوا عليها - من الهجرة وترك الأهل والمال والولد والجهاد ونصرة الإسلام وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأبناء في سبيل الله - القطع بتعديلهم واعتقاد نزاهتهم وأمانتهم، وأنهم كانوا أفضل من كل من جاء بعدهم. وقد عرف أئمة الإسلام كل هذا للصحابة، روى الحافظ أحمد البيهقي أَنَّ الإمام الشافعي - وهو من هو دينًا وعقلاً وعلمًا وألمعية - ذكر الصحابة في رسالته القديمة وأثنى عليهم بما هم أهله ثم قال: «وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر (استدرك) به علم

<<  <   >  >>