للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستنبط به، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا» (١) وقال الإمام أبو زرعة الرازي: «إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَنْتَقِصُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ فَاعْلَمْ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ , وَذَلِكَ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ حَقٌّ , وَالْقُرْآنَ حَقٌّ , وَمَا جَاءَ بِهِ حَقٌّ، وَإِنَّمَا أَدَّى ذَلِكَ كُلَّهُ إِلَيْنَا الصَحَابَةُ، وَهَؤُلاَءِ - يُرِيدُ الزَّنَادِقَةَ وَأَشْبَاهَهُمْ - يُرِيدُونَ أَنْ يُجَرِّحُوا شُهُودَنَا لِيُبْطِلُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ , وَالْجَرْحُ بِهِمْ أَوْلَى، وَهُمْ زَنَادِقَةٌ» وما أحكمها من كلمة ألقى بها الله سبحانه على لسان أبي زرعة - رَحِمَهُ اللهُ -، ولا يدخلن الشك إلى نفسك ما رُوِيَ من مراجعة الخليفتين أبي بكر وعمر لبعض الصحابة في بعض مروياتهم وطلبهم شاهدًا ثانيًا، ومراجعة بعض الصحابة لبعض في القليل النادر، فذلك ليس لتهمة ولا تجريح، وإنما هو أمر لزيادة اليقين والتثبت، وقد وضع الخليفتان الراشدان بهذا التحوط البالغ والتثبت المحمود المنهج السليم في التثبت في الرواية، وليس أَدَلَّ على هذا من قول عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لأبي موسى الأشعري وقد طلب منه أَنْ يأتي بمن يشهد معه أنه سمع ما رواه له عن رسول الله. قال الفاروق: «أَمَا إِنِّي لَمْ أتَّهِمْكَ وَلَكِنَّهُ الحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -». فهل بعد هذا القول الصريح يتهم الصحابة متهجم ويتظنن ظان؟!.

الصَّحَابِيُّ المَظْلُومُ:

لم أجد أَحَدًا من الصحابة فيما أعلم تعرض لسهام النقد الظالم بمثل ما تعرض له الصحابي الجليل أبو هريرة - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ - وهذه الحملة الجائرة تضرب في القدم إلى آماد بعيدة، فقد نقل لنا العلامة ابن قُتيبة في كتابه " تأويل مختلف الحديث " (٢) الكثير مِمَّا رمى به أبو هريرة في القديم من النظام وأمثاله من أهل البدع والأهواء، ولم نر أحدًا يعتد به من أئمة العلم في الإسلام تعرض لأبي هريرة بما يغض من شأنه أو يحط من قدره، ثم جاء بَعْضُ المُسْتَشْرِقِينَ فوقعوا على أقوال هؤلاء المتحاملين فأخذوا وزادوا وأعادوا فيها، ثم طلعوا علينا بآراء مبتسرة وأحكام جائرة، ولعل من نافلة القول أَنْ أنبه إلى الأغراض السيئة التي يقصدها المُسْتَشْرِقُونَ من وراء حملاتهم، التي هي امتداد للحملات الصليبية، والتي يقصدون منها تقويض


(١) " مقدمة ابن الصلاح ": ص ٢٦٣.
(٢) الحق أنَّ الإمام ابن قتيبة ذكر في كتابه ما تهجَّم به النَظَّامُ وأمثاله على المُحَدِّثِينَ بعامَّة وأبي هريرة بخاصة، ثم دافع عن الحديث وأهله دفاع رجل عاقل عالم متثبت نرجو أنْ يكافئه الله عليه.

<<  <   >  >>