للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد روى هذه القصة اَيْضًا الحافظ ابن كثير في " بدايته " (١) ثم قال عقبها: وذكر غيره أَنَّ عمر غَرَّمَهُ في العمالة الأولى اثنى عشر ألفًا، فلهذا امتنع في الثانية.

فها أنت ذا ترى أَنَّ رواية عبد الرازق ليس فيها اتهام لأبي هريرة بل فيها تبرئة لساحته، ثم هي قد اتفق عليها إمامان لهما في النقد باع طويل، ولعل في أسلوب ابن كثير وإشاراته إلى الرواية الأخرى ما يشعر بعدم ارتضائه، لها وأيضا فعبد الرازق إمام جليل وأحرى بروايته أَنْ ترجح، ثم هل ترى لو أَنَّ عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وجده مُتَّهَمًا - كما زعم المؤلف - أكان يعرض عليه الإمارة مَرَّةً ثانية وسيرة الفاروق وتشدده مع الولاة معروفة؟ وهكذا يَتَبَيَّن لنا أَنَّ رواية عبد الرازق هي التي يجب أَنْ يُعَوَّلَ عليها، ولعلك بعد ما سمعت آمنت معي أَنَّ المؤلف يدع ما يشاء ويأخذ ما يشاء بالهوى والتشهي لا بالحُجَّة والبرهان، وأنه ما عدل عن رواية عبد الرازق إلى الأخرى إِلاَّ لحاجة في نفسه!

ومن ذلك اَيْضًا ما ذكره في ص [١٦٣] «من أَنَّ عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال لأبي هريرة: " أكثرت يا أبا هريرة من الرواية وأحرى بك أن تكون كاذبا على رسول الله "، وأوعده إِنْ لم يترك الحديث عن رسول الله فإنه ينفيه إلى بلاده، وأنه قال له: " لَتَتْرُكَنَّ الحَدِيثَ عَنِ رَسُولِ اللَّهِ أَوْ لأُلْحِقَنَّكَ بِأَرْضِ دَوْسٍ " ... » ولم أجد رمي عمر له بالكذب في أي كتاب من الكتب الموثوق بها، اللَّهُمَّ إِلاَّ إذا كان المؤلف وقع عليه في كتاب من كتب الأدب أو نحوها أو أتى به من بنات خياله، وليس في توعده له بإلحاقه بأرض دوس ما يشم منه رائحة الاتهام بالكذب وإنما هو التحوط وزيادة التثبت، والإكثار مظنة الغلط أو السهو، ومذهب الفاروق في التثبت في الرواية معروف.

اِعْتِمَادُهُ فِي الأَحَادِيثِ عَلَى كُتُبِ الأَدَبِ وَالتَّوَارِيخِ وَنَحْوِهَا:

ومن عجيب شأن مؤلف كتاب " أضواء على السنة " أنه على ما زعم من أنه طوف في عشرات من كتب الحديث كيف خفى عليه ما قرره الأئمة المُحَدِّثُونَ من أَنَّ المرويات لا يعتمد في الوثوق بها وقبولها على كتب الأدب والتواريخ؟ إذ فيها زيف كثير وغث غير قليل، وَأَنَّ الحديث لاَ يُؤْخَذُ إِلاَّ من كتب الأئمة الثقات،


(١) ج ٨ ص ١١٣.

<<  <   >  >>