للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأول عن الفارسية والهندية واليونانية عرف المفكرون المسلمون هذه الأفكار، فتلقّف هذا القول المغرمون بكل وافد من الأفكار مستغرب من الأقوال مهما كان شذوذه، ووجدت هذه الفكرة أنصارا بين علماء الفلسفة الكلامية، فكان أول من جاهر بها أبو إسحاق النظام ودافع عنها وكأنها من مسائل علم الكلام.

[وهذا القول فاسد لما يلى:]

أولا: يلزم من القول بالصرفة زوال الإعجاز بزوال زمان التحدى، وخلوّ القرآن من الإعجاز وفى ذلك خرق لإجماع الأمة، فإنهم أجمعوا على بقاء معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم العظمى، ولا معجزة له باقية سوى القرآن وخلوه من الإعجاز يبطل كونه معجزة.

قال القرطبى رحمه الله (١):

« .... وإذا كان كذلك علم أن نفس القرآن هو المعجز، لأن فصاحته وبلاغته أمر خارق للعادة، إذ لم يوجد قط كلام على هذا الوجه، فلما لم يكن ذلك الكلام مألوفا معتادا منهم دل على أن المنع والصرفة لم يكن معجزا».

ثانيا: إن الله عز وجل وصف القرآن الكريم بأوصاف ذاتية تجعله فى مكانة لا تصل إليها أى معجزة أخرى، وهذه الأوصاف توجب أن يكون إعجازه ذاتيا لا لشىء آخر خارجى. قال تعالى:

اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٢) ثالثا: إن العرب عند ما تلقوا القرآن وسمعوه أذهلهم أسلوبه، وراعهم


(١) تفسير القرطبى ١/ ٦٦.
(٢) سورة الزمر الآية: ٢٣.

<<  <   >  >>