للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قيل بالأول: فلا شك أن المصالح تختلف باختلاف الأشخاص والأزمان، لأن ما يكون مصلحة لشخص قد لا يكون مصلحة لآخر كشرب الدواء- مثلا- فهو مصلحة للمريض دون الصحيح، وكذلك ما يكون مصلحة لشخص فى زمن قد لا يكون مصلحة له فى زمن آخر ألا ترى أن الطبيب الحاذق (١) يبدل الأدوية والأغذية بملاحظة حالات المريض وغيرها على حسب المصلحة التى يراها، ولا يحمل أحد فعله على العبث والجهل. وما دامت المصالح تختلف هكذا والأحكام يراعى فى شرعيتها مصالح العباد، فلا شك أن ذلك مما يجعل النسخ أمرا لا بدّ منه وليس محالا.

وإن قيل بالثانى: فظاهر أيضا أن النسخ لا يترتب عليه محال، لأنه لم يخرج عن كونه فعلا لله تعالى وهو جل شأنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

ومن هنا يظهر لنا بوضوح أن النسخ فى الحالتين لا يترتب على فرض وقوعه محال فكان جائزا عقلا لأن هذا هو شأن الجواز العقلى (٢).

[وقد نوقش هذا الدليل من قبل القائلين بعدم الجواز العقلى بما يلى:]

النسخ يترتب عليه محال وعليه فيكون محالا، ومن هنا فالمقدمة الصغرى من دليلكم لم تتم .. وبيان ذلك: الحكم الناسخ إما أن يكون قد شرع لمصلحة علمها الله تعالى بعد أن لم يكن علمها أو يكون شرع لا لمصلحة فإن كان الأول فقد تحقق البداء وهو على الله تعالى محال.

وإن كان الثانى فهو عبث وهو أيضا على الله تعالى محال.


(١) الحاذق: الماهر- لسان العرب ١/ ٨١١ - .
(٢) المحصول ١/ ٤٥٢، والتبصرة ٢٥٢، والروضة لابن قدامة ٦٩، والإحكام للآمدى ٢/ ١٦٦، ١٦٧، ونهاية السول ٢/ ١٦٧، وحاشية الإزميري ٢/ ١٧٢، وإظهار الحق للشيخ رحمت الله الهندى ٢٩٥.

<<  <   >  >>