للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أجاب الجمهور عن هذه المناقشة: بأن هناك قسما ثالثا قد تركتموه، فلنا أن نختاره وهو أن الله تعالى شرع الحكم الثانى لمصلحة علمها أزلا، ولم تخف عليه ولكن وقتها يجيء عند انتهاء الحكم الأول بما اشتمل عليه من المصلحة، ومعلوم أن هذا لا يترتب عليه بداء ولا عبث كما تزعمون (١).

الدليل الثانى: وهو مسوق فى وجه اليهود المحيلين له عقلا والقائلين أن شريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاصة بالعرب فقط من بنى إسماعيل، وحاصل هذا الدليل ما يلى:

إن نبوة مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبتت بالدليل القاطع وهو المعجزة الدالة على ذلك وعليه فيكون صادقا فيما يقوله عن ربه وينقله عنه، وقد نقل عنه قوله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢).

ومعنى هذه الآية: إن ننسخ نأت، ومثل ذلك إنما يقال فيما هو جائز عقلا، وليس فيما هو محال، ومن ثم فالآية تدل على جواز النسخ وهو المطلوب.

[وقد ناقش المانعون للجواز هذا الدليل بما يلى:]

الآية لا دلالة فيها على الجواز حيث إنها تفيد صدق التلازم الحاصل بين الشرط والجزاء، وصدق هذا التلازم لا تتوقف على وقوع الشرط والجزاء، ولا على جواز وقوعهما. بل يصدق التلازم ولو كان الشرط محالا.

مثال ذلك: قوله تعالى:

قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (٣)


(١) التقرير والتحبير ٣/ ٤٥، وأصول الفقه للشيخ زهير ٣/ ٤٩، ٥٠.
(٢) سورة البقرة الآية: ١٠٦.
(٣) سورة الزخرف الآية: ٨١.

<<  <   >  >>