كتاب دراسات أصولية في القرآن الكريم

وفى الثانى ما يلى:

أولا: قال تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها، (١) الآية.

وقد قال العلماء إن هذه الآية يفهم منها أن كل آية يذهب الله تعالى بها على حسب ما تقتضيه الحكمة والمصلحة من نسخ لفظها فقط، أو حكمها فقط، أو نسخهما معا، فإنه سبحانه يأتى عباده بنوع آخر أنفع لهم فى السهولة أو كثرة الأجر.

والخيرية قد تكون فى المنفعة، وقد تكون فى الثواب وقد تكون فى كليهما، أما المثلية فلا تكون إلا فى الثواب فقط، لأن المماثلة فى النفع لا يمكن تصورها، وذلك لأنه على تقدير ارتفاع الحكم الأول فإن المصلحة المنوط بها ذلك الحكم ترتفع ولا تبقى إلا مصلحة الآية المأتى بها فتكون خيرا من الذاهبة لا محالة. وإذا قدر بقاء الحكم الأول وكان النسخ للتلاوة فقط، فالمصلحة الأولى باقية على حالها لم يجدّ غيرها حتى يكون خيرا منها أو مثلها (٢).

ثانيا: قال تعالى: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣) فالتبديل المذكور فى هذه الآية يتألف من رفع الأصل وإثبات البدل، وهذا هو النسخ سواء كان المرفوع تلاوة أم حكما.

قال أبو حامد الغزالى رحمه الله (٤):

فإن قيل: ليس المعنىّ به رفع المنزل فإن ما أنزل لا يمكن رفعه

(١) سورة البقرة الآية: ١٠٦.
(٢) تفسير ابن كثير ١/ ٢١٤، وتفسير القرطبى ١/ ٤٥١، وتفسير القاسمى ٢/ ٢١٨، وتفسير الجلالين ١/ ١٦، وتفسير آيات الأحكام ١/ ٢٥، ومناهل العرفان ٢/ ٨٥.
(٣) سورة النحل الآية: ١٠١.
(٤) المستصفى ١/ ١١.