للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فما الفائدة- اذن- من كل هذا السرد، وهو لا يكشف عن معنى الكلمة عند العرب؟!

إنه حقيقة- أعنى هذا السرد- يكشف لنا عن نموذج من تفكير الناس فى فهم القرآن فى ذلك الزمن .. لكننا كنا نود أن لو طوى عنا هذا النموذج، الذى لا أساس له من كلام العرب، ولا من بينة يوثق بها، ما دام يحمل معه هذه الخرافات.

ونلاحظ أن الطبرى روى فى هذه الروايات روايتين عن ابن عباس. رواية تقول المراد بالشجرة: البر، ورواية أخر تقول: إنها الكرمة!! فهل كان لابن عباس رأى، أو رأيان، أو لم يكن له رأى البتة؟. ولكن الرواة قالوا عن لسانه! ومن أين لابن عباس بهذا الرأى أو ذاك؟ ذلك ما كنا نحب أن يضعه أبو جعفر فى حسابه ويريحنا ويريح نفسه .. ومع هذا التعب كله فى سرد الروايات لمعرفة المراد بالشجرة، نجد الطبرى فى النهاية يضرب صفحا عن هذه الروايات كلها، ولا يثق بشيء منها، وكأنها معرض تحف قديمة بالية، ويشق الطريق إلى الرأى الذى يرتضيه- معه- أهل العلم والعقل المتزنون، وهو نموذج لخطته فى التفسير حين يكشف عن رأيه.

والحق أنها خطة ممتازة تكشف عن عقليته الفذة، العقلية العلمية المؤمنة التى لا ترضى بالكلام الجزاف، والتى تحافظ على العقول أن يملأها الحشو والخرافة وما لا جدوى منه .. وحبذا لو التزم هذه الطريقة فيما سرده من روايات. اقرأ معى رأيه فى المراد من الشجرة بعد سرد الروايات:

قال أبو جعفر (يعنى نفسه وهذه طريقته): والقول فى ذلك عندنا أن الله جل ثناؤه أخبر عباده أن آدم وزوجته أكلا من الشجرة التى نهاهما ربهما عن الأكل منها فأتيا الخطيئة التى نهاهما عن إتيانها بأكلهما ما أكلا منها بعد أن بين الله جل ثناؤه لهما عين الشجرة التى نهاهما عن الأكل منها، وأشار إليها بقوله: «ولا تقربا هذه الشجرة» ولم يضع الله جل ثناؤه لعباده المخاطبين بالقرآن دلالة على أى أشجار الجنة كان نهيه آدم أن يقربها، فلم ينص عليها باسمها، ولا بدلالة

<<  <   >  >>