للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا كانت لقمة العيش والعمل من أجل الحياة والتغلب على أزماتها وصعابها، وظروفها الاقتصادية، قد أدت إلى لون من التقارب بين أمم وشعوب قد اختلفت فى مذاهبها، وتباينت فى لغاتها وأنظمتها السياسية والاجتماعية، كما يحدث الآن فى أوربا، أفلا نملك نحن أمة القرآن أن نجعل هذا القرآن طريق اتصال لغوى وفكرى وعقدى بين هذه الشعوب التى حباها الله بالإسلام دينا، وبالقرآن دستورا؟

إن الاتصال اللغوى هو الطريق إلى الاتصال الفكرى، وإذا توحّدت اللغة، وتقاربت الأفكار، كان ذلك أدعى إلى تحقيق وحدة قوية بين الأفراد والمجتمعات والأمم، وإننا نستطيع أن ندرك بعد أن اتضحت النوايا، وتكشفت أساليب الحياة التى تمارسها القوى الكبرى، وتخضع لها الدول الصغرى فى تعاملاتها السياسية والاقتصادية، أن شرّ ما يبتلى به مجتمع مسلم أن يخرج إنسان إلى مجالات الحياة، وأن يتخرّج من مراحل التعليم ولا يستطيع أن يقرأ سورة من السور القصار، ولا أقول: يحفظها أو يفهمها.

إن تلك الدعوى القائمة على الاهتمام بالعقل ونموه وإدراكه، وإهمال جانب الحفظ، إنما هى دعوى هزيلة مريضة تضيع شخصية الأمة، وتقوّض لغتها التى اختصت بها، ولم يدفع إلى تلك الفكرة إلا ما يختبىء وراءها من رواسب التأثير الفكرى المتشبع بالتيارات الغريبة والأجنبية التى حكمت عقولنا وأفهامنا ردحا طويلا من الزمن.

ومن عجب أن نجد لهذه الدعاوى أنصارا ومؤيدين بين صفوفنا، علما بأن دعاتها لا يذهبون فى كتاباتهم وأساليبهم مذاهب التحرر من اللغة واستخدام كلماتها،

والتحرر من قواعدها، والميل إلى التبسط فى الألفاظ، والتساهل فى الضوابط التى تحكم شعرهم ونثرهم.

نراهم مع تلك الدعاوى التى يطلقونها، شديدى المحافظة على الأطر التى تعلموها فى مراحل التعليم، ولهم من أساليبهم المميزة التى تثير عند قارئها هزة وعجبا، مما يدل على اعتنائهم فى صغرهم بحفظ القرآن الكريم، واهتمام بطريقته فى صياغة الأساليب المتباينة من خبر إلى إنشاء، وإيجاز، وإطناب، وتقديم وتأخير ... إلخ، بل ونرى بعضهم يصل بأسلوبه الذى خص به إلى درجة تتشابه مع أولئك الأدباء فى العصر الأموى والعباسى.

فهذا الارتباط الفكرى والعقلى مما يدل على شدة الإعجاب الذى سيطر على ذلك

<<  <   >  >>