للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنك لو حذفت منها جملة واحدة فى أى موضع، كان ذلك أخلّ بالمغزى من التشبيه، وقد أعطى أمثلة توضح فكرته، فقال:

إن هناك فرقا بين أن تقول: رجل كالأسد، وبين قوله تعالى: إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ [يونس: ٢٤].

فوجه الشبه فى الأول مفرد، وهو الشجاعة، أما فى الآية القرآنية، فوجه الشبه صورة منتزعة من جملة أمور. وهو يرى أن كل تمثيل تشبيه، وليس كل تشبيه تمثيلا. كما يرى أن للتمثيل مظهرين:

أ- أن يجيء المعنى ابتداء فى صورة التمثيل، وهذا نادر قليل، ولكنه على قلته فى كلام البلغاء، كثير فى القرآن الكريم، وذلك مثل قوله تعالى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: ١٧ - ٢٠].

ب- المظهر الثانى للتمثيل: هو ما يتأثر بالمعانى، ويجيء فى أعقابها؛ لإيضاحها وتقريرها فى النفوس، ومثال ذلك فى القرآن الكريم قوله تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الزمر: ٢٩].

فقد أورد المثل بعد ما قرر أمر التوحيد فى أول السورة، وشنع على الذين اتخذوا من دون الله أولياء يقربونهم إليه زلفى، ونصب الدلائل على نفى هذا الشرك، وذكر الجزاء.

والتمثيل فى رأى الزمخشرى إنما يصار إليه لكشف المعانى، وإدناء المتوهم من الشاهد، فإن كان المتمثل له عظيما، كان المتمثل به مثله، وإن كان حقيرا، كان المتمثل به كذلك.

<<  <   >  >>